.أوربا والنتائج الاجتماعية للأزمة
تتفاقم الأزمة الاقتصادية في مختلف بقاع الكرة الأرضية وتتجلى في كل دولة حسب الظرف الملموس، وإذا كانت نتائج الأزمة قبل الآن واضحة أكثر في الأطراف بحكم التبعية المزمنة، وبحكم أنها ساحة تفريغ أزمة المراكز إلا أن استفحال الأزمة وتعمقها تجعلها واضحةوجلية في المراكز الرأسمالية نفسها ليس على صعيد الأزمة المالية فقط بل على صعيد نتائجها الاجتماعية أيضاً، وحسب دراسة نشرت في بروكسل وأنجزت من ديوان الاحصائيات الاوربية « اليوروستات» التابع للمفوضية الاوربية، أن عدد المهددين بالفقر والتهميشفي دول الاتحاد الاوربي وصل في عام 2010 الى 115 مليون نسمة أي ما يعادل 23 في المئة من مجموع سكان دول الاتحاد الاوربي وخلصت الدراسة إلى نتائج مفادها أن الفقر يزحف بسرعة فائقة، ويمس شرائح جديدة من المجتمع الأوروبي، لم تكن في السابق ضمنالمنتسبين إلى دائرة الفقر، وهي فئة الأطفال التي بلغت نسبة الفقر بينهم 27 في المئة، وكلهم تحت سن الـ 18.
وأصبحت هذه الظاهرة مقلقة جداً لأصحاب القرار في الدول الأوروبية، لأنها تثبت أن نسبة كبيرة من العائلات لم تعد قادرة على إعالة أولادها مثلما ينبغي، بالتالي فإنّ الفقر والتهميش أصبحا يمسّان هذه الشريحة، التي كانت محمية في السابق وما كان يطلق عليه دولةالرعاية الاجتماعية. وحسب المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية كريستينا أورييخا «إن الوضع الاجتماعي في أوروبا أصبح دراماتيكياً، ولا حل في الأفق يشير إلى وقف ذلك التدهور في المستقبل». وذكّرت بأن أحد أهداف المفوضية الأوروبية في استراتيجيتها لعام2020، هو التقليل من التهميش الاجتماعي والفقر في القارة العجوز.
وتبيِّن الدراسة أن هناك تبايناً صارخاً بين الدول، حيث تحتل بلغاريا ورومانيا مقدمة سلم الترتيب في الفقر والتهميش الاجتماعي، بنسبة 42 في المئة للأولى، من حيث الفقر، و41 في المئة للتهميش، وهو ما يكاد يصيب نصف المجتمع، كما تحتل دول أخرى مثل هولنداوالسويد ذيل ترتيب الفقر والتهميش، بنسبة 15 في المئة، بينما نسبة الفقراء والمهمشين اجتماعياً في اللوكسمبورغ تبلغ 17 في المئة. وتذهب الدراسة إلى اعتبار نسبة 16 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي مهددين بالفقر النقدي، بمعنى أن مداخيل هذه الفئة تحت السقفالمسموح به وطنياً، كما تحتل بلغاريا ورومانيا وإسبانيا مقدمة سلم الترتيب السيئ بـ 21 في المئة في مجال الفقر النقدي، وفق الدراسة الأوروبية.
وتفيد الأرقام المنشورة أن 8 في المئة من مجموع سكان الاتحاد الأوروبي وُجدوا في سنة 2010 في ظروف الحرمان المادي، أي لم يستطيعوا دفع تكاليف فواتير التدفئة، أو الاستمتاع بأسبوع عطلة بعيداً عن المنزل. في المقابل، تقلّ فئة الحرمان المادي في السويدواللوكسمبورغ، حيث رصد 1 في المئة، بينما تبلغ في بلغاريا 35 في المئة، و31 في المئة في رومانيا.
ورغم أن الدراسة تثبت تزايد عدد الفقراء المرشحين للتزايد في هذا العام في مجموع دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنه من غير المتوقع أن يمس الفقر الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة. والأمر الجديد والمخيف في الدراسة، أن الديوان الأوروبي للإحصائيات رصد 27في المئة من الأطفال في خانة المهمشين، الذين يعانون الفقر في 20 بلداً أوروبياً، من أصل 27، وهذا أمر «مقلق وخطير» على حد تعبير المصادر الأوروبية في بروكسل.
استمرار الأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية من شأنه أن يعقِّد الأمور أكثر، ويُرتقب أن تزداد أعداد الفقراء والمهمشين اجتماعياً في العام الجاري، وهذا ما يخيف أصحاب القرار في أوروبا، الساعين إلى إعادة إنعاش الاقتصاد بأسرع وقت ممكن، ولكن على مايبدو ان ذلك محض أوهام.