«العاصفة» تخبو الخليج يبحث مسارات أخرى

برز الإعلان عن التدخل العسكري الخليجي في اليمن- تحت مسمى «عاصفة الحزم»- كأحد المؤشرات على اتجاه سعودي هدف إلى توظيف الإمكانات العسكرية والمالية، للعب في الوقت بدل الضائع على هامش المسار العام المتجه نحو تظهير موازين القوى الدولية الجديدة.

بالإضافة إلى الهدف العام من التدخل العسكري في اليمن، برزت أهداف جزئية ذات طابع إقليمي. لكن، ومع التخبط الذي أصاب «التحالف» منذ الأيام الأولى، باتت الأسئلة تتزاحم حول الانعكاسات التي ستحملها محاولات الخروج من المستنقع اليمني.
الثابت، منذ احتدام الصراع الدولي في أوكرانيا، وسورية تحديداً، هو الفشل المسبق لأي محاولات من شأنها الوهم بإمكانية الاستفراد في حسم هذا الملف أو ذاك، خارج التوافق الدولي. وإلى جانب هذا الفشل المسبق، فإن الدول التي سارت في هذا المسار، غالباً ما فشلت في البقاء بمنأى عن النتائج العكسية لمثل تلك المحاولات.
هدوء «العاصفة»
في البداية، كان الإعلان السعودي عن الدخول على خط الأزمة اليمنية عسكرياً، في 26 آذار من هذا العام، محاولة لتعويض انتكاسات سياسية سبقتها، في ملفات عدة: النووي الإيراني الذي كان قيد الإغلاق ضمن شروط  غير أمريكية، والأزمة السورية التي انتقل فيها زمام المبادرة إلى القطب الصاعد بشكل واضح.. إلخ. لكن بعد ذلك، بات تخفيض سقف الأهداف المعلنة سياسياً وعسكرياً لـ«العاصفة»، وبشكل متكرر، برهاناً على عجز جديد، منع الهدف المصاغ أمريكياً بإظهار القدرة على الانتصار والهيمنة خارج الإطار الدولي الجامع، ولجم أيضاً الأهداف الخليجية المشتقة فيما يخص بالنفوذ الإقليمي.
بالنظر إلى تدرج «التخلي» السعودي عن الأهداف المعلنة من التدخل، نرصد الانعطافات الإجبارية في الشهور التسعة الماضية، انطلاقاً من استعادة العاصمة صنعاء، كهدف رئيسي لـ«التحالف العربي»، ثم إحكام السيطرة على سواحل البحر الأحمر وباب المندب، وهو الأمر الذي بدا مرهقاً للتحالف، في ظل امتداد السواحل اليمنية جنوباً وغرباً، وصولاً إلى «معركة تعز» التي كان الهدف منها تحقيق انتصار معنوي، قبل الدخول إلى غرف المفاوضات، وهو ما استعصى أيضاً، رغم صغر الهدف مقارنة بالأهداف التي سبقته.
بناء عليه، تدخل السعودية ودول الخليج إلى مسار سويسرا التفاوضي المفتوح اليوم، بـ«حقيبة خجولة» فيها القليل من أوراق الهيمنة، والكثير من «الآمال» حول علاقتها بـ«يمن المستقبل»، بعد الأوضاع التي وصل إليها الشعب اليمني من جراء غارات «عاصفة الحزم».
مفاوضات وإجراءات ثقة
عاد الفرقاء اليمنيون في الخامس عشر من هذا الشهر إلى جنيف، لبدء محادثات تستمر لأسبوع من تاريخه، وفق جدول أعمال مسبق، وبرعاية دولية، ذلك بالتزامن مع إجراءات «بناء ثقة» مهمة، تمثلت بوقف لإطلاق النار وغارات «التحالف» في اليوم ذاته، وحتى نهاية هذه الجولة.
بالنظر إلى جدول الأعمال وبنوده، وإجراءات الثقة، وانخفاض حدة التصعيد الإعلامي بين الأطراف اليمنية، فإن هذه الأجواء توحي بإمكانية تحقيق نتائج ملموسة نهاية الأسبوع، رغم بعض الخروقات للهدنة المعلنة في بعض المناطق، والتي لم تنعكس توتراً سياسياً، ما يرفع إمكانية تجديدها التلقائي بعد انتهاء هذه الجولة من المفاوضات، حسب ما ينص عليه الاتفاق الجاري حالياً.
في السياق ذاته، ذكر رئيس الوفد الحكومي، عبد الملك المخلافي، أن البند الأول على جدول الأعمال هو كيفية تنفيذ القرار الدولي 2216، نصاً وروحاً، المتضمن انسحاب «أنصار الله» والقوات الموالية لهم من المدن كافة وتسليم أسلحتهم، وهو ما يزال موضع خلاف، ليس من حيث المبدأ كما تعلن الجماعة، بل من حيث آليات التطبيق. ومن المرجح أن يطول الحديث حول هذا البند، بانتظار تقديم تنازلات متبادلة تدفع بالعملية السياسية قدماً.
وفي خطوة من شأنها إضفاء طابع دولي على المباحثات اليمنية، من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، في 22 من الشهر الجاري، اجتماعاً يقدم فيه المبعوث الدولي، اسماعيل الشيخ أحمد، تقريره حول المفاوضات الجارية في سويسرا.
خسارة متعددة الأوجه!
لا تتوقف نتائج «عاصفة الحزم» على الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة، بل إن السعودية والإمارات سيبدآن على الأغلب بإحصاء الخسائر الجديدة على الصعيد الاقتصادي، فيما يتعلق بإعادة الإعمار، واحتواء آثار الكارثة الإنسانية، بعد الخسارات الكبرى المتعلقة بتكاليف التدخل العسكري المباشر.
من جهة أخرى، فإن التورط الخليجي- دون تحقيق النتائج المرجوة- بات يهدد نفوذ السعودية وحلفائها الدوليين في منطقة ذات أهمية إقليمية وحيوية، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي على خط التجارة العالمية، وهو ما لم تعد تضمنه المملكة في ظل هشاشة حلفائها التقليديين داخل اليمن.
ومن الصعب التنبؤ بمستوى التأثير السعودي في الداخل اليمني لاحقاً، لكن المؤكد، أن المملكة ستحاول «إثبات الوجود» وتعويض الوزن المفقود في سورية واليمن باتجاهات جديدة، ظهرت مؤشراتها في محاولة عرقلة تجهيز الوفد السوري المعارض- حسب ما ينص اتفاق «فيينا 2»- ومؤخراً، الإعلان عن تشكيل «التحالف الإسلامي» لمكافحة الإرهاب.