حياة سفير - الجزائر حياة سفير - الجزائر

اتفاق الصخيرات.. الضباب يحيط بالنتائج

تعدت نتائج الأزمة الليبية حدود التراب الداخلي، خالقة بؤراً للتوتر في العديد من دول المغرب العربي، وبعضاً من دول الجوار الأفريقي، ما انعكس انشغالاً دولياً بالملف الليبي منذ بدايته، سواء على صعيد الجهود الرامية إلى حل هذه الأزمة، أو عبر توظيف هذه الأخيرة في تصدير أزمات أخرى.

خاص قاسيون

مع ارتفاع مستوى الانفلات الأمني في ليبيا، وتمدد نشاط التنظيمات الإرهابية، في مقابل قصور السلطات الليبية على التحكم في الأسلحة، وتجارتها غير الشرعية على الساحل خصوصاً، باتت الوحدة الترابية لدولة مالي، والاستقرار الأمني في الجزائر، وبعض من الدول المجاورة، مهددة بالفعل. ولا يختلف الحال في مصر، حيث تعاني الدولة- الخارجة من قبضة «الإخوان المسلمين»- من تدفق الأسلحة المهربة عبر بعض الجماعات الناشطة في هذا المجال.
وما زاد من خطورة التهديدات على هذه البلدان، هو دخول الطرف الثالث في المعادلة المحلية، فما بين الأنظمة القديمة ببنيتها، والحركة المتصاعدة للشارع والناس، جرى الاستثمار فاشياً في الصراعات الثانوية الاثنية والقبلية والدينية، وهو ما تجلى في أحد أوجهه في افتعال أزمة كبيرة بين الطوارق ودول المنطقة.

الحل ليس أمنياً..

نظراً للتهديدات التي تمس أمنها، أدركت الدولة الجزائرية أن أمنها واستقرارها لا يتحقق بمجرد تأمين حدودها الجغرافية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى محاولة تأمين الفضاءات الجيوسياسية القريبة منها وحتى البعيدة، بسبب تنامي عمل التنظيمات الإرهابية الفاعلة. إذ لم يعد البعد الجغرافي عن التهديد يضمن الحماية المطلوبة للأمن، وأصبح من غير الممكن للدول تحقيق أمنها القومي، دون ضمان حد أدنى من الاستقرار والتوازن الجيو- سياسيين في الأقاليم والدول المجاورة لها، لذلك، تطلب الأمر تعاوناً وتنسيقاً بين قيادات الأركان للحفاظ على الأمن المشترك في الشمال الأفريقي.
لكن، في ظل هشاشة دول الجوار الإقليمي، خاصة على مستوى الحدود الصحراوية مع دول الساحل الإفريقي التي تعاني من تفاعلات أمنية حساسة، وجدت الجزائر نفسها في مأزق أمني كبير، لأنه حتى ولو تم التعاون في مجال مكافحة التهديدات من خلال اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف، لا يمكن لأحد أن يضمن تطبيقها على أرض الواقع، ويرجع ذلك إلى ضعف جهاز الدولة، وانعدام أو محدودية القدرات المالية والعسكرية لدول الساحل الإفريقي، ذلك ما جعل الجزائر مجبرة على تحمل تكلفة أمنها وأمن جيرانها، عن طريق تقديم مساعدات لهذه الدول، مما زاد من أعباء التصدي للتهديدات والأخطار المحتملة.

مساران للحل

أمام تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في ليبيا واستشراء الفوضى والعنف الممنهج، خلصت كلاً من الجزائر ومصر إلى التعامل مع هذه التهديدات على مسارين متوازيين: في الأول، استنفرتا قواتها الأمنية على حدودهما مع ليبيا (ومالي) بوجه عام، وفي محيط قواعد النفط بشكل خاص، وفي الثاني، رفعتا من مستوى مساهمتهما في المبادرات السياسية لحل الأزمة الليبية.
في سياق المسار الثاني، استضافت الجزائر الاجتماع الوزاري العادي السابع لبلدان جوار ليبيا، الهادف إلى تعميق التشاور والتنسيق، للمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا، بما يتيح تجاوز المرحلة الانتقالية، والتأسيس لبناء دولة حديثة، ومؤسسات دستورية تعيد شيئاً من الأمان المفقود في هذا البلد.

حوار الصخيرات يثمر «وفاقاً»

في مدينة الصخيرات المغربية، وقع أطراف الأزمة الليبية، يوم الخميس 17/12/2015، برعاية الأمم المتحدة، اتفاقاً يقضي بتشكيل «حكومة وفاق وطني» ستقود مرحلة انتقالية من عامين، تنتهي بانتخابات تشريعية مراقبة دولياً.
ويأتي الاتفاق «ثمرة» عام كامل من المفاوضات المتعددة التي جرت في الجزائر والمغرب وبعض الدول الأوروبية، في وقت تشهد فيه ليبيا تمدداً للجماعات المتطرفة على أراضيها، وعلى رأسها تنظيم «داعش» الذي بات يسيطر على مدينة سرت، ويسعى للتمدد في المنطقة المحيطة بها حيث حقول النفط الرئيسية.
في المقابل، يضع العديد من الباحثين في المجال الليبي، اتفاق الصخيرات الأخير موضع شك كبير, ذلك أن دولاً أوروبية دفعت في اتجاهه استباقاً لمسار جدي لحل سياسي يفضي إلى إنهاء الأزمة الليبية، هادفة من المؤتمر الحالي إلى خلق حكومة من شأنها أن تضفي طابعاً قانونياً لتدخل عسكري جديد من المتوقع أن تقوم به بعض الدول الأوروبية (يدور الحديث عن إيطاليا وفرنسا بوجه خاص). في المقابل، يرى آخرون أن الاتفاق الحالي، وإن كان يتمتع بوزن أوروبي فاعل، إلا أنه يأتي في سياق العمل الأوروبي على إنهاء بؤرة التوتر التي كادت تطال العديد من الدول الأوروبية الجنوبية.
وفي سياق ردود الفعل على الاتفاق، برز الاختلاف في مواقف دول الجوار الليبي، مصر والجزائر خصوصاً. ففيما أكدت الخارجيتان المصرية والإماراتية «دعمهما الكامل» للاتفاق الذي «من شأنه أن يحقق المصلحة العليا للشعب الليبي»، لم تعلق السلطات الجزائرية على الاتفاق، الذي بدا أنه جرى بمعزل عن إرادتها وموافقتها. وذلك ما يخلص، بحسب كثيرين، إلى أن الفرقاء الليبيين محكومون اليوم بالعمل وفق صراع سياسي للاستفادة من حالة وقف العنف التي سيجلبها هذا الاتفاق المدعوم دولياً، والانتقال إلى بناء دولتهم بعيداً عن التدخلات الخارجية، في نهاية المطاف.
في سياق آخر، قال القائد العام للجيش الليبي، الفريق أول خليفة حفتر، إنه يرى أن روسيا «تقوم بعمل جيد جداً ضد الإرهاب»، لافتاً إلى «إمكانية طلب مساعدتها» في هذا الشأن، ومؤكداً أن هناك «إشارات بأن الروس جادون في مقاومة الإرهاب، وبالتالي، في الفترة القادمة سيكون لدينا نظرة في هذا الموضوع».