الوجهة «2» ماذا تريد تركيا في العراق؟

الوجهة «2» ماذا تريد تركيا في العراق؟

مجدداً، تضيف تركيا توتراً جديداً إلى المنطقة، بعد إدخالها قوات عسكرية إلى محافظة نينوى العراقية، بذريعة «تدريب قوات كردية في إطار الحرب على الإرهاب». وإن كانت هذه المغامرة في تداعياتها أقل، إلى الآن، مما كانت عليه في حادثة إسقاط القاذفة الروسية، إلا أن هذا التدخل يثبت أكثر فأكثر منحى التوجهات التركية في هذه المرحلة.

في الوقت الذي تأخذ فيه قضية مكافحة الإرهاب زخماً في طور التنظيم المتصاعد للعملية، بما تتضمنه من ضرورة إغلاق الحدود التركية- السورية المعلنة بتوافق روسي- أمريكي، وما وازى ذلك من علاقات متوترة بين روسيا وتركيا، تضع حكومة «العدالة والتنمية» نفسها- عبر رهاناتها الخاسرة استراتيجياً وتكتيكياً- على طرف نقيض من المصالح التركية المستقبلية في المنطقة.

من سورية إلى العراق

شكلت الضربات الجوية الروسية لحوامل النفط المنقول من سورية إلى تركيا ضربة لرعاة الإرهاب، وللمكاسب الضيقة المتعلقة بمحيط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما أثار «ردة فعل» مافيوية الشكل بإسقاط القاذفة «سو-24»، في تناغم مع السياسات الفاشية، وفي محاولة بائسة لعرقلة التقدم الحاصل على مسار الحل السياسي للأزمة السورية. لكن الرد الروسي- المتمثل بفتح جميع الجبهات مع تركيا- يحمل احتمالات عزلة إقليمية تركية قد تجهز على الوزن النوعي لتركيا في المنطقة، ما يتيح إمكانات تغيير تركي داخلي، ربما تشارك فيه أجزاء من جهاز الدولة. وهو ما بدا لافتاً خلال الأسبوعين الماضيين في بعض الصحف التركية التي أعادت الحديث عن الخلافات التقليدية القديمة بين الحكومة التركية وقيادة الأركان العسكرية.

من هنا، يمكن القول أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالدخول التركي إلى نينوى العراقية، تهدف إلى استدعاء ردة فعل روسية أو إيرانية في العراق، وبالتالي إدخال المنطقة بكاملها في طور جديد، في محاولة ثانية من نوعها لتأجيل ضرب الفاشية الجديدة في العراق وسورية، وعرقلة مسارات الحلول السياسية، هذا في الحد الأعلى، أما بالحد الأدنى فإن الدخول التركي إلى الأراضي العراقية، قد يؤمّن أحد خطوط إمداد النفط الأساسية من مناطق سيطرة «داعش»، التي لا تبعد عن موقع تمركز القوات التركية أكثر من ثلاثين كيلومتر إلى الأراضي التركية، في إصرار من «العدالة والتنمية» على فرض سياسات الأمر الواقع، حتى لو اضطرهم ذلك للدخول إلى دولة مجاورة.

مناورة ربع الساعة الأخير

في رد مبكّر على التدخل التركي الذي جرى في الرابع من الشهر الجاري، «أمهلت» الحكومة العراقية القوات التركية 48 ساعة للخروج من أراضيها، واصفة هذا التدخل بـ«التصرف العدائي»، قبل أن تستخدم الخيارات المتاحة كافة، بما فيها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، فيما صوّت البرلمان العراقي بالإجماع على «إدانة التدخل التركي»، ليلوح بعدها رئيس لجنة الأمن البرلمانية بأن الحكومة  قد تطلب من روسيا التدخل العسكري في العراق بشكل مباشر رداً على الخرق التركي، تبعه تنصل أمريكي شكلي، تمثل بتصريح مبعوث التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، بريت ماكجيرك، حول أن «الجهد التركي في الموصل لم يكن ضمن جهد التحالف، ولم يكن منسقاً».

بدت تركيا في المرحلة الأولى من هذا التدخل معزولة ولو بالحدود الدبلوماسية، عن تحصيل أي دعم يحول المسألة إلى جبهة تجاذبات جديدة في المنطقة، ما اضطر «العدالة والتنمية» إلى التراجع، من خلال «اتفاق» الطرفين التركي والعراقي على «حل المسألة» عن طريق المباحثات الثنائية، وهو ما أكده مندوبا البلدين لدى الأمم المتحدة.

في هذا الإطار، يمكن  لتركيا أن تناور في مساعي  الحصول على  موافقة حكومية، ولو جزئية أو مؤقتة، تشكّل قاعدة انطلاق لتحصيل نفوذ أكبر في شمال العراق، فيما لو سنحت لها الظروف بذلك، غير أن حدود هذه المناورات ستبقى محكومة بالسقوف التي تفرضها المرحلة الجديدة في العالم.