ليس حلماً طوباوياً..!

ليس حلماً طوباوياً..!

لا تريد السلطة الفلسطينية تطرفاً صهيونياً متصاعداً يكشف اللثام عن «طبخة البحص» التي جرت محاولات جمة لإقحامها في الوعي الجمعي الفلسطيني وفي المنطقة. إذ تكابد السلطة «وتعارك طواحين الهواء» لإيقاف الزمن عند حدود «أوسلو- 1991».

يتمنى رئيس سلطة أوسلو، محمود عباس، أن يتوقف الزمن عند ذلك الحد، حيث كانت الموازين الدولية تسمح بإطلاق العنان لسلطة فلسطينية ترقص على حبال الهيمنة الأمريكية على العالم. أما تقطع هذه الحبال اليوم، فقد أحال خطاب «ثوابت أوسلو» المكرور من السلطة- وممن يدورون في فلك «ضروراتها»- نشازاً لا مبرر له في موازين اليوم.

مع انقلاب الموازين العالمية، أضحت «ثوابت» أوسلو ذرّا مع الريح. فإن حاول عباس هنا وهناك أن يرسم سقفاً للمكتسبات التي بات تحقيقها ممكناً، وإن حاول إشغال الرأي العام بـ«قنابله المؤلمة» المقتصرة على اللهاث وراء اعتراف من هذا الجانب أو ذاك بسلطته وسقوف دولته، إلا أن الشارع الفلسطيني واضح اليوم- كما في الأمس- في توجهاته وخياراته وثوابته المبدئية.

سلطة أوسلو: نسخة عما حولها

لا تستطيع السلطة الفلسطينية كبح جماح فاشية الكيان الصهيوني، وفي الوقت ذاته، لا تستطيع إيقاف الشعب الفلسطيني عن مقاومته. ذلك ما دفعها إلى أن تتخذ لنفسها صورة «حكم» فاشل في «مباراة حامية». لا يستطيع عباس إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. كيف له أن يقنع الشعب المندفع نحو كسر قيود القوى السياسية التقليدية المرصوصة حول عنقه أن هناك بارقة أمل هنا أو هناك بـ«حل سلمي» للقضية الفلسطينية؟

شأن السلطة الفلسطينية في ذلك شأن الأنظمة العربية التي فشلت في إنجاز مهام التحرير والتغيير في بلدانها. تلك الأنظمة التي جاءت بدورها إلى سدة الحكم مستندة إلى توازنات محددة كان الأمريكي هو الحاكم العالمي فيها، ما يجعلها مكافئاً موضوعياً لسلطة التبعية الفلسطينية من حيث انتماؤها إلى مشهد بائد يطويه مشهد اليوم.

الحراكات: ضرب عصب أنظمة التبعية

كما فعلت دائماً، لم تقف الأنظمة الغربية والعربية متفرجة على ما يحدث من حراك آخذ بالاتساع في فلسطين المحتلة. بل تعمل يومياً عبر ماكيناتها السياسية والإعلامية، ومراكز أبحاثها ودراساتها، على إفشال الحراك الفلسطيني، وعموم الحراكات التي تشهدها المنطقة، من محتواها، سواء عبر إفراغ هذه الحركات من مضامينها الثورية التحررية من كل تبعية واستبداد، أو من خلال تمكين القوى المتطرقة المرتبطة ارتباطاً مباشراً وغير مباشر بأجهزة استخباراتها. 

لنا أن نتساءل هنا: لو كانت «داعش»، بما تمثله، نتاجاً مباشراً لـ«جهلنا، وتخلفنا، وتطرفنا» نحن- عموم «العالمثالثيين»- فلماذا، في هذه اللحظة بالذات، يخرج علينا ما هب ودب من تنظيمات متطرفة، وتحديداً في المناطق الأكثر حساسية بالمعنى الجيوسياسي؟ ألم يستكمل «جهلنا» مسيرة تطوره إلا في هذه اللحظة التي تشهد صعوداً لقطب في مقابل تراجع حاد لآخر؟ ولماذا تنحسر مفاعيل انفجار «جهلنا هذا» في المساحات الجيوسياسية الأكثر حساسية، وللمفارقة، هي حدود التوجهات الاستراتيجية لرأس المال المالي العالمي الإجرامي ذاتها؟

ليس حلماً..

إن الانتهاء من «إسرائيل»، ذلك الكيان الغاصب الذي سندته الإمدادات العسكرية والتقنية والمالية الغربية طويلاً، لم يعد «حلماً طوباوياً» كما تجهد الأقلام الرجعية على وصفه، بل بات اليوم استجابة للظرف الموضوعي الجديد الذي يفرض نفسه على الجميع، تراجعات وتقدمات ومراوحات في المكان.

موضوعياً، تدعم القوى الدولية الصاعدة اليوم آمال التحرر من التبعية الأمريكية، ومن مخلفاتها ومفرزاتها في العالم. ذلك ما يتبدى اليوم باستعادة شعار المقاومة الوطنية الشاملة نحو «التحرير الناجز» مفاعيله وواقعيته الواضحة، رغم أنه لم يفقد واقعيته يوماً..