«الأسس الفنلندية الصلبة».. لاقتصاد الأزمة
في إطار تفنيد الحجج الرامية إلى تصوير «الاقتصاد الاسكندنافي» كـ«نموذج جيد» للنمو الاقتصادي في أوروبا، تسلط هذه المادة الضوء على المشاكل الجمة التي يعاني منها الاقتصاد الفنلندي الذي جرى الترويج له كاقتصاد يعتمد على «أسس صلبة».
أعلن صندوق النقد الدولي في تقرير له نشر عام 2012، أن أزمة اليورو تهدد الاقتصاد الفنلندي رغم «أسسه الصلبة»، قبل أن يؤكد التقرير أن فنلندا تستفيد من «أسس اقتصادية قوية ومن إدارة سياسية سليمة»، لكنها و«بصفتها، اقتصاداً صغيراً منفتحاً وتابعاً على الصعيد التجاري والمالي، ضعيفة أمام التداعيات السلبية للأزمة في منطقة اليورو».
سجل الاقتصاد الفنلندي تباطؤاً في النمو بين عامي 2008- 2012، ويعاني البلد من تقدم في عمر السكان، وتباطؤ في عمليات الإنتاج. ولهذا السبب، «دعا» النقد الدولي في تقريره إلى اتباع سياسة اقتصادية ومالية «لتحسين التوازنات الداخلية والخارجية» على المدى الطويل. وبناء عليه، جرى البدء بتطبيق خطة النقد الدولي في القطاع الصحي أولاً، لتتركز السياسات على إجراءات ترمي إلى زيادة ضرائب القطاع الصحي، بهدف تأمين زيادة رساميل المصارف.
الطريق ذاته: تقشفوا..!
بعد تطبيق خطط «النقد الدولي» بعامين فقط، انفجرت مظاهرات الفنلنديين ضد سياسات التقشف يوم احتفالات عيد الاستقلال في شهر كانون الأول 2014، واستجابة إلى دعوة اتحاد الشرطة الفنلندية، تظاهر المئات من أفراد الشرطة بسبب انخفاض أجورهم، لتضطرب بعدها خدمات النقل العام، وغيرها من قطاعات الاقتصاد في فنلندا، بسبب اتساع الإضراب العام الذي دعت إليه النقابات العمالية في مختلف أنحاء البلاد، وبشكل دوري، احتجاجاً على خطط التقشف الحكومية.
شملت الإجراءات التقشفية الفنلندية المخططة التي اتخذتها حكومة «يمين الوسط» خفض الأجر الإضافي للموظفين، وتقليص بدل الإجازات المرضية والعطلات المدفوعة الأجر، إلى جانب تحويل يومين من أيام العطلة الأسبوعية إلى عطلة بدون أجر.
على لسان «المالية»..
نظراً لارتفاع معدل البطالة إلى مستويات قياسية، تخطط فنلندا لدفع 800 يورو لكل مواطن شهرياً كدخل أساسي وطني. ومن المتوقع أن يضرب هذا المبلغ، الذي لن يكون مستقراً بطبيعة الأحوال، نظام مزايا الرعاية الاجتماعية الذي سيغيب مقابل حفنة شهرية من المال، تنفيذاً لخطة النقد الدولي، وسيبدأ تطبيقه في تشرين الثاني 2016.
من غير الواضح كيف ستعمل الحكومة على تأمين التكاليف الباهظة لهذا المقترح، إذ يبلغ تعداد سكان فنلندا نحو 5.4 مليون نسمة، هذا ومن المتوقع أن تصل إيرادات فنلندا في عام 2016 إلى 49.1 مليار يورو، وسط تنبؤات قاتمة عن الوضع المالي لهذه البلاد.
على هذا الأساس، اضطرت وزارة المالية الفنلندية إلى إزالة الهالة التي يكتسيها اقتصاد البلاد، لتؤكد في تقرير شهر اَب: «إن الاقتصاد الفنلندي في حالة خطيرة، حيث يقترب نمو الناتج المحلي الإجمالي من الصفر، ويرافق ذلك ارتفاعاً للبطالة في البلاد». يشار هنا إلى أن معدل البطالة في فنلندا ارتفع في شهر تشرين الأول الماضي إلى 9.5%، مسجلاً بذلك مستويات قياسية منذ عام 2000.