الاقتصاد الأسود وأرض بوليفار

هل يمكن أن تتحول أمريكا اللاتينية إلى «حلقة أضعف» عالمياً، في سياق العمل الحثيث لمنظومة رأس المال المالي العالمي الإجرامي بهدف إيجاد متنفسات لها، في ضوء الاستعصاء الماثل في وجهها دولياً؟

 

تتلقى منظومة النهب العالمي اليوم ضربات قاصمة على أكثر من جبهة: من أفغانستان إلى العراق وسورية، وما يتخلل هذه المنطقة من استثمار فاشي في «الاقتصاد الأسود». وابتداءً من تجارة المخدرات، وليس انتهاءً عند سرقة النفط المهرب، تتضيق هوامش المناورة الفاشية في مقابل الضربات التي يشنها القطب الصاعد عالمياً: سواء العسكرية (المباشرة ضد أدوات رأس المال المالي العالمي الإجرامي، وحركته في المنطقة)، أو السياسية (من خلال تجفيف بؤر التوتر والنزاعات التي تفتح بلداناً بأكملها كمساحات لهذا النهب).

ومع انغلاق الأفق استراتيجياً في وجه المشروع الفاشي في أوراسيا، باعتراف العديد من المنظرين للخطط الاستراتيجية في هذه المنطقة الحيوية عالمياً (رغم بعض الهوامش المفتوحة للمناورة على الخط الفاصل بين آسيا وأوروبا الشرقية)، وفي مقابل البوادر التي تبديها القارة الأفريقية للخلاص من الهيمنة الغربية على مواردها وخاماتها القابلة للاستثمار والتصنيع داخلياً فيما لو امتدت روابط التكامل الصيني- الأفريقي، يبدو رأس المال المالي العالمي الإجرامي محكوماً بالتوجه نحو أقاليم أخرى قابلة نسبياً لتمرير مخططات النهب إليها.

جاءت حصيلة الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية لتقرع جرس الإنذار في المنطقة اللاتينية. تراجع اليسار الأرجنتيني، وإن كان محدوداً بمنصب الرئاسة دون البرلمان، إلا أن مقاربته من الزاوية الأكثر عمومية للقارة ككل ولموازين القوى العالمية، تنذر بسيناريو غير مرجو في المنطقة التي وقفت طويلاً عصية على الهيمنة الأمريكية، حتى في المراحل التي كانت فيها تلك الأخيرة تغزو العالم وتتحكم بالقوانين والمؤسسات الدولية وتطوعها.

من تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، وفرض العقوبات على فنزويلا في الوقت ذاته، إلى نتائج الانتخابات الأرجنتينية، والتقارير التي تتحدث عن احتمال تلقي اليمين الفنزويلي دفعة قوية بعد انتصار حلفائهم الأرجنتينيين، يبدو المشهد في أمريكا اللاتينية في سياق متكامل سمته الأساسي تحويل الهيمنة الأمريكية (بوصفها منظومة حماية لرأس المال المالي العالمي الإجرامي) المنكفئة عالمياً نحو ساحات جديدة للعمل.