كارثة التفكك.. هل تذوبها الاتحادات الافريقية؟
مازن نبواني مازن نبواني

كارثة التفكك.. هل تذوبها الاتحادات الافريقية؟

بعد أسبوع من استضافتها البابا فرنسيس، استقبلت القارة الأفريقية- التي تعارك ضمنياً للخلاص من حبال الهيمنة الأمريكية- الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي توقف في زيمبابوي قبل استكمال طريقه نحو جنوب أفريقيا. مهدت زيارتا زيمبابوي وجنوب أفريقيا الطريق لتطوير مستويات التعاون الهادف إلى رفع النمو في القارة الأفريقية التي حلت فيها الصين مؤخراً كأكبر شريك تجاري، بدلاً عن الولايات المتحدة التي احتكرت هذه المرتبة منذ العام 2009.

 

الصين تقدم ما حرمت القارة منه

تواصل الصين بناء الطرق والجسور ومحطات الطاقة في جميع أنحاء أفريقيا. وواحد من هذه الاستثمارات هو خط السكة الحديدية القياسي في كينيا، التي من المتوقع لها، بحسب العديد من الخبراء والمختصين في الشؤون الأفريقية أن تفتح منطقة شرق أفريقيا للتجارة الداخلية والاستثمارات النوعية التي حرمت منها وقتاً طويلاً.

علاوة على ذلك، من المتوقع في السنوات القليلة القادمة، أن تكون محطة «Gibe» الثالثة أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في القارة الأفريقية، المشروع الذي سيعيد لسكان العديد من بلدان أفريقيا- ولا سيما في الشرق والشمال- حقهم في تأمين الطاقة التي كان غيابها سبباً رئيسياً من أسباب «تخلف» القارة ككل.

ورغم البروباغندا الإعلامية المضخمة حول تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني، إلا أن مؤشرات عدة أطلقتها البلدان الأفريقية، طالبة من الصين التعهد بمزيد من الاستثمارات لدعم البنى التحتية الحكومية في القارة، وهذا ما يتطلب مستوى معقولاً من الأمان الغائب بسبب عدم فاعلية الاتحادات الافريقية، وضعف مستوى التنسيق بينها.

التهديدات الأمنية..  إعاقة تطور أفريقيا

من «بوكو حرام» في نيجيريا، إلى حركة «الشباب» في الصومال، ومن تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب، إلى الجماعات الليبية المقاتلة، يفتك الإرهاب بالاستثمارات داخل أفريقيا. ما يفتح الباب أمام التساؤلات عن طبيعة الدور الذي ستلعبه الصين في دعم أفريقيا لمواجهة الإرهاب.

في المقابل، تضرب التهديدات الإرهابية المصالح الصينية في إفريقيا، حيث أكثر من 2000 شركة صينية، وزهاء مليون عامل صيني، يعملون في الصناعات الاستخراجية وتطوير البنى التحتية، وهذا ما يجعلهم عرضة للتهديدات الأمنية نظراً إلى أن هذا النوع من الصناعات يجري في الأجزاء النائية من القارة، وبالتالي في المناطق التي لا تتمتع إلا بحد أدنى من الأمان، ويشهد على ذلك اختطاف العمال الصينيين المتكرر في أفريقيا على أيدي الميليشيات المسلحة.

ونظراً للدور الهام الذي يلعبه «الاتحاد الأفريقي AU» في الشؤون الأمنية الإقليمية، قدمت الصين في السنوات الأخيرة مساعدات مالية وتقنية له، في إطار الشراكة التعاونية بين الصين وأفريقيا من أجل السلام والاستقرار في القارة.

هل تستعيد القارة استقلالها؟

عدا عن المخاطر الأمنية، ثمة مسألة أخرى بحاجة للنظر: إن حجم التجارة في أفريقيا لا يتعدى 5% من إجمالي التجارة العالمية الصينية. كما أن الصادرات الأفريقية للصين لا تزال ضيقة جداً، وتقتصر على المنتجات الأولية، كالنفط والمواد الخام، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 95 مليار دولار فقط، فيما تمتلك أفريقيا إمكانيات هائلة في مجال المنسوجات والزراعة والسياحة التي من الممكن استغلالها إلى الحد الأقصى، فيما لو استعادت القارة عافيتها وطورت بناها التحتية بشكل أكبر.

مثال صغير على ذلك: تعتبر صناعة الجلود في أثيوبيا مثالاً كلاسيكياً على الإمكانات الاقتصادية الكامنة في أفريقيا. رغم ذلك، سجلت هذه الصناعة- لأنها أفلتت من قيود التصدير الرخيص إلى الغرب وحظيت بدعم حكومي جيد نسبياً- 123 مليون دولار من مجمل الصادرات الأثيوبية، وسيصل الرقم إلى 500 مليون دولار في نهاية هذا العام. فكم سيكون الرقم الإجمالي الأفريقي إذا جرى استصلاح البنى التحتية لتطوير هذا النوع من الإنتاج الصناعي؟

الصين لا يمكنها أن تفعل ذلك وحدها. إذ أن الدول الأفريقية غير الموحدة بشكل عميق لا يمكنها أن تحقق نمواً كبيراً. أما الحل الماثل أمام القارة الغنية بالموارد، فهو تشكيل تكتلات اقتصادية من شأنها أن تستثمر القوة الكامنة من خلال الوحدة والتنسيق في أفريقيا.

تنسيق التعاون والتكامل الأفريقي لن يبدأ من نقطة الصفر، فحسب التقارير والإحصاءات الأفريقية، فإنه على الأقل هناك مجموعة «شرق أفريقيا»، و«المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا»، ومجموعة «التعاون الإنمائي في الجنوب الأفريقي»، ستكون قادرة على إنجاز التكامل الاقتصادي الأفريقي، وربما بمساعدة صينية، للخلاص من سنوات وسنوات من التحكم في مصير القارة، واستعادة دول الأخيرة سيادتها المسلوبة سابقاً.