تصريحات واشنطن لم تعد خبراً عاجلاً..!

تصريحات واشنطن لم تعد خبراً عاجلاً..!

أثارت تصريحات السيناتور الأمريكي، جون ماكين، حول إرسال قوات أمريكية برية إلى العراق، قوامها 10 آلاف جندي، سيلاً من ردود الفعل العراقية في الحكومة والتنظيمات المشاركة في العمليات ضد «داعش»، مشككة في النوايا المتوارية خلف هذا الإعلان.

في سياق التفاعل والتنسيق الدولي المتصاعد لمكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تحاول الولايات المتحدة تفادي الحرج المرتبط بوزن مشاركتها ومدى صدقيته أمام الرأي العام الدولي، إلا أن محاولاتها هذه لا تزال تصطدم بواقع استفادتها حتى الرمق الأخير من أدواتها الفاشية المنتشرة في العالم، مما ضيّق بدوره مساحات المناورة الأمريكية خارج التوافق الدولي، بعد الانعطافات الكبيرة التي تبديها الدول المحسوبة على واشنطن حتى الأمس القريب..

المعضلة الأمريكية في العراق

يمكن الإشارة إلى أن تشابك الحسابات الدولية في مسألة مكافحة الإرهاب، مرتبط في أحد جوانبه بتعدد مصالح وأهداف الدول المشاركة وتقاطعها في أماكن، وتضاربها في أخرى. لكن الميل العام لتطورات الحرب على الإرهاب، وبتأثير موازين القوى الدولية الآخذة بالتبلور أكثر فأكثر، يضغط على مصالح قوى دولية بعينها، مؤثراً في محصلة قرارها المعلن، وتبدو فرنسا وبريطانيا نماذج بدأت تطلق إشارات على محاولتهما «التآلف» مع الوضع الدولي الجديد، بعيداً عن توزيع الأدوار الأمريكي المرسوم في العقدين الماضيين على أقل تقدير.

وبالنظر إلى تحقيق العمليات الجوية الروسية نتائج جدية على مستوى قضية مكافحة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة تحاول التماهي مع الحالة المستجدة بأقل الخسائر السياسية الممكنة. من هنا، تأتي الطروحات الأمريكية «الجديدة» كمحاولة لإيجاد تبني دولي لدور أمريكي مفترض يوازي النشاط الروسي القوي في المنطقة، ابتداءً من الحديث عن إرسال 50 عنصراً من قواتها الخاصة إلى سورية، مروراً بتصريحات ماكين حول إرسال 10 آلاف جندي أمريكي إلى العراق (عاد المتحدث باسم البيت الأبيض، جون أرنست، ليقصر العدد على 200 جندي فقط).

الأولوية لإسناد جوي حقيقي

اللافت في الردود المتواردة على هذه التصريحات، كان تشكيك الحكومة العراقية بجدوى الضربات الأمريكية التي «تساند» القوات العراقية المتقدمة على الأرض، ففي تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة العراقي، سعد الحديثي، أكد أنه «طلبنا زيادة الضربات الجوية، بشكل يتناسب مع العمليات العسكرية على الأرض، وقلنا إن زيادة هذه الضربات أمر ضروري، وتكثيف وتشبيع هذه الضربات أصبح أمراً ملحاً». 

هنا، وبغض النظر عن سلوك الحكومة العراقية ذاتها القاصر في مقاربة مكافحة الإرهاب فإن هذه الحكومة باتت مضطرة ضمناً إلى هزالة الدعم الأمريكي للقوات العراقية في معركتها ضد الإرهاب، بالمقارنة مع جدية الضربات الروسية في سورية. وسواءً كانت هذه الإشارة العراقية محدودة بحدود الاستهلاك المحلي الإعلامي، أو أنها جدية نابعة من تقارب مفترض مع روسيا، فإنها تعني ضغطاً جديداً على الخيارات الأمريكية بما يتناسب مع الوقائع الجديدة.

تتضّح في العراق متطلبات المعركة ضد الإرهاب، في الوقت ذاته الذي يظهر فيه مستوى التملص الأمريكي من المهمة المرسومة دولياً بالإسناد الجوي للقوات العراقية المتقدمة، لكن هذا التملص محدود أيضاً بالموازين الجديدة التي أفرزت اليوم معركة جدية ضد الإرهاب. لذا، فإن الهدف الرئيسي لهذه التصريحات لا يتعدى إلقاء القنابل الدخانية على النموذج الروسي في تعامله مع الملف الأكثر تداولاً في هذه المرحلة.

آخر تعديل على الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2015 06:15