«النموذج الاسكندنافي»: نهب مخادع مكشوف
منذ عقود، يجري الحديث عما يسمى بـ«دولة الرفاهية الشاملة»، وتصوير «النموذج الاسكندنافي» في السويد وفنلندا والنرويج والدانمارك وأيسلندا، على أنه «نموذج التنمية» الاقتصادية المطلوبة.
استثمر الإعلام الغربي فكرة «النموذج الاسكندنافي» مطولاً، بهدف الترويج له كـ«بديل» عن الاقتصاد الاشتراكي، إذ جرى تقديم هذا «النموذج» على أنه «هجين» ما بين الرأسمالية والاشتراكية، في «بلاد تجري فيها أنهار من الثروات المتاحة للجميع»..!
السويد و«اشتراكيتها الديمقراطية»
يقول الكاتب السويدي، تشارلي بولسون، في مقالته «أزمة الاشتراكية الديمقراطية» أن «الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي استطاع خداع الناس بعد أزمة عام 1990، عبر تنازلات اجتماعية جزئية، كتحقيق تقدم طفيف على ملف السكن الشعبي، وتحقيق توازنات في حياة العمال والموظفين».
لكن الحزب السويدي- وبدلاً من التركيز على حل التفاوت الاقتصادي- قام بتطبيق سياسات رأسمالية على طول الخط، وأقصى ما ذهب إليه هو تبني السياسات الاقتصادية الكينزية، وخرق النقابات العمالية التي شلت الحركة داخل اتحاد نقابات العمال السويدية، واتبعت سياسة تهدف إلى «إنعاش» الطبقة الوسطى، وتضخيم حجم الاقتصاد الخدمي.
وفي انهيارٍ للغلاف البراق الذي حملته السياسات الاقتصادية الكينزية في بادئ الأمر، يستطيع السويديون رؤية الخداع عارياً، من خلال خصخصة التعليم، ونظام الرعاية الاجتماعية الهزيل، وانعدام العدالة في التوزيع، و«التعاونيات» التي تحافظ على بنية الرأسمالية من خلال «الإصلاحات» الجزئية. والنتيجة، أن الاقتصاد السويدي اليوم 90% منه ملكية خاصة، و5% ملكية دولة و5% ملكية «تعاونيات» مختلفة.
احتكارات الدانمارك تعزز «شمالاً غنياً»
في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، توجهت الحكومة الدانماركية إلى تقليص الإنتاج، وزيادة حجم اقتصاد الخدمات والمضاربات، وغسيل الأموال القادمة من أرباح الشركات الدانماركية التي تنهب البلدان الفقيرة، للحفاظ على «مستوى قياسي» للمداخيل في الدانمارك.
وكمثال على ذلك، تقوم شركة صناعة الزبدة الدانماركية العالمية «لورباك»- التي تملك عشرات آلاف الرؤوس من سلالات أبقار محسنة في مزارع عبر العالم، بشراء المنتجات الحيوانية من البلدان الفقيرة لاحتكارها، وبعد تصنيع الزبدة منها، تبيعها إلى هذه البلدان ذاتها..!
التمهيد لأحزاب الفاشية الجديدة
في السويد، ظهر حزب جديد في عام 2006 باسم «حزب القراصنة». وفي مفارقة غريبة، أصبح الحزب حالياً ثالث أكبر حزب سياسي في السويد، وينافس الأحزاب الحاكمة الكبرى. لتمتد هذه الظاهرة إلى حد ظهرت فيها أحزاب تحمل الاسم ذاته في 33 بلداً، وتشكل معاً ما سمته بـ«أممية أحزاب القراصنة»، منها «حزب القراصنة النرويجي» الذي ضم 50 ألف عضو في صفوفه..!
وربطاً مع ما سبق، أجرى «مركز الدراسات الأوروبية» وجمعية الدراسات الألمانية «كونراد أديناور»، مقارنة بين الأحزاب اليمينية داخل الاتحاد الأوروبي، ونظرائهم في سويسرا والنرويج، وحسب هذه الدراسة، فإن السويد والنرويج أصبحتا أرضاً خصبة لنمو الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي غالباً ما تتخذ لنفسها عباءات دعائية لا تعبر عن مضمونها كقوى مرشحة جدياً للانخراط في العمليات الفاشية حول العالم.