نحو بناء مشروع حقيقي للتغيير في لبنان
خلال الأسابيع الماضية، شهد الحراك الشعبي اللبناني تقلبات في نشاطات حملاته، وظهرت بعض الخلافات والمماحكات إلى سطحه، بالتوازي مع ازدياد قمع السلطة، وتفاقم ظاهرة المحاكمات العسكرية بحق المشاركين فيه. حول هذه القضايا، توجهت «قاسيون» إلى الأمين العام لاتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، والمنظم في حملة «جايي التغيير»، عمر الديب، بعدد من الأسئلة.
من الملاحظ خلال الأسبوعين الأخيرين أن التغطية الإعلامية للحراك الشعبي اللبناني باتت أقل، وكذلك خروج بعض الحملات من نشاطاته، كيف تقيمون هذه المرحلة من عمر الحراك؟
يرى تقييمنا للحراك في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني أنه مع تزايد المظاهرات وتعددها، برز دور الإعلام، أو بالأحرى برزت الأدوار التي يتخذها الإعلام أو يوزعها. ولا يخفى أن للتعتيم الإعلامي دلالاته، وأن للتركيز الإعلامي، و«للإخراج» الذي يتبعه، دلالاته أيضاً، بما في ذلك استعمال المصطلحات التي تثبت طبيعةَ الحراك في وعي الناس، أو تربطه بمفاهيم معينة وأشخاص معينين.
ويظهر جلياً أن تأسيس «مجموعات» مستقلة ومختلفة سياسياً، ولكنها تنسق فيما بينها، هو من أهم مقومات قوة الحراك؛ فذلك يساعد على ألا يستطيع أي توجه سياسي معين أن يفرض أهدافه أو أولوياته أو توجهاته. وإذ تتفق المجموعات على الحاجة إلى تغيير الفئات الحاكمة ومحاربة الفساد وإدارة الملف البيئي وتأمين الحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين، فإن كل مجموعة منها تتفرد بأولوياتها ومشروعها السياسي وتوجهها.
هل ترون أن هناك خطرا لانتهاء هذه الموجة من الحراك كما انتهى حراك ٢٠١١؟
نحن نعي أننا ما زلنا في المرحلة الأولى من الحراك، وأن الكثير من الجهد والعمل مطلوب لتحقيق انتصارات صغيرة في قضايا محدودة من أجل اكتساب الثقة وكسب الرأي العام، وتطوير التنظيم في بنية الحراك، كي نستطيع الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تجسد أهدافنا وتطلعاتنا في بناء مشروع حقيقي للتغيير.
هل هناك خطة عمل وضعتها حملة «جايي التغيير» لمواجهة التراجعات المحتملة للحراك؟
نحن اليوم من ضمن الحملات الناشطة على الأرض، ونشكل المكون الأساسي لحملة «جايي التغيير»، وكذلك نعمل من خلال لجنة التنسيق بين المجموعات، ونتمثل على الطاولة من خلال «التيار النقابي المستقل» و«اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني»، بالإضافة إلى عملنا ضمن أطرنا الداخلية في المناطق، ونسعى إلى رفع السقف السياسي والمطلبي في هذه التحركات. وكنا قد شكلنا، بعد المظاهرة التاريخية الحاشدة في 29 آب إطاراً ائتلافياً تنسيقياً بعنوان «حراك 29 آب» ليشكل صمام أمان واسع داخل الحراك الشعبي.
اليوم يصل الحراك إلى مرحلة التنظيم، أي إلى الحاجة إلى توزيع المهام والمسؤوليات، والنزول من برج الأهداف الشخصية والفئوية الضيقة إلى تحقيق أهداف الحراك ذاته. وإذا كنا قد بدأنا الحراك من فكرتين بسيطتين، هما الوحدة والتحدي، فيجدر أن تأخذنا هاتان الفكرتان إلى أبعد مما وصلنا إليه، لكن بشرط أساسي وأول، هو عدم السعي إلى خلق «رأس» للحراك، وإنما العمل بشكلٍ جماعي.
ماذا عن التحركات في المناطق؟ هل تجدون إمكانية جدية للضغط في القرى والبلدات اللبنانية؟
تتقاطع مطالب المناطق مع الهموم المركزية في موضوع النفايات، وهو موضوع صعب، لكن هنا يبدأ ما يمكن أن نسميه «حراكاً شعبياً» جامعاً. ولم يتحقق مما تخوف الكثيرات والكثيرون من حصوله- وأعني وضع أهالي بيروت والمناطق المتأذية من مشكلة النفايات في مواجهة أهل المناطق، وكأن هؤلاء الأخيرين هم العائق أمام حل مشكلة النفايات. وفي مقابل بروباغندا سلطوية تفصل «أهل المدينة» عن «أهل الأطراف»، بلورت الأصوات الجديدة ثنائية «الشعب: مدناً وأطرافاً من مختلف الطوائف، مقابل السلطة». وللتذكير، فإن «هيئة التنسيق النقابية»، وهي الجسم النقابي المستقل الوحيد في لبنان، هي التي عملت خلال السنوات الثلاث الماضية على تظهير هذه الثنائية.
الآن، ربما، نستطيع البدء في الحديث عن «شعب»، كوحدة سياسية قادرة على الاتحاد تحت مظلة مطالب متشابهة. فما جرى بعد ذلك من تحركات ومظاهرات واعتصامات في بيروت والمناطق، ومن مواجهات عنيفة مع القوى الأمنية، لم يكن سوى نتيجة لمسألتين: التحدي والوحدة. ولقد بات واضحاً أن النظام، بزعاماته وقواه السلطوية، لا يقبل هذين اللاعبين أمامه.
ما هي منجزات الحراك منذ بدايته إلى اليوم؟ ما القيمة التي أضافها للمشهد الشعبي مقابل السياسي- الطائفي اللبناني؟
كان المطلب الأساس الذي أطلق الحراك الشعبي، هو غرق بيروت ومحيطها بالنفايات بعد أن انتهى العقد (غير الشرعي) الذي كانت الحكومة اللبنانية قد أبرمته مع «سوكلين» ـ وهي شركةٌ خاصةٌ تجمع النفايات وتتكفل بتدويرها وطمرها، بسعر هو الأغلى في العالم، ووفق شروط تجعل هذه الشركة أكثر سيطرة على ما يجري من الدولة.
فمنذ النهاية المفترضة للحرب الأهلية- أي اتفاق الجهات المتحاربة على تقاسم الحصص بالتساوي، دون تقديم أي حل لعشرات الآلاف من المفقودات والمفقودين، ومئات الآلاف من الشهيدات والشهداء، ومئات الآلاف من المصابين والأفراد الذين واللواتي لم يعرفوا عملاً لهم سوى الحرب لثلاثين سنة- وهذا البلد يرزح تحت سياسات اقتصادية، جعلت من الأغلبية «طبقة فقيرة» لا تملك صوتاً أو رأياً فيما يجري من حولها، فيما تعيش وهم الديمقراطية.
وإذا كان لهذا الحراك أن يتطور ويتمدد، ليطال فئات متضررة جديدة، لا بد من توسيع مروحة المطالب، لتطال حقوق الناس جميعاً، من سلسلة الرتب والرواتب، والتغطية الصحية الشاملة، والمستأجرين القدامى والمياومين في مصالح الدولة، وكذلك الكهرباء والماء اللتان تكبدان المواطنين أعباء فاتورتين شهرياً للدولة وللمافيات. هذه الأبعاد ستجذب فئات جديدة متضررة إلى التحركات وسترفع من منسوب التأييد الشعبي للمطالب.