واشنطن 2001.. برلين 1939
قبل 14 عاماً من الآن، وفي 20/9/2001 تحديداً، وقف الرئيس الأمريكي جورج بوش ليعلن للعالم ما سمي باستراتيجية «الحرب على الإرهاب»، خالقاً بذلك حلاً للاستعصاء الذي «طرأ» على واشنطن بعد حل الاتحاد السوفييتي 1991.
لفهم أهمية هذا الإعلان، لا بد من العودة إلى ما كانت قد كتبته وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، التي كانت تعمل في حينه كمستشارة للأمن القومي، وذلك قبل أحداث 11 أيلول بسنة واحدة. ففي إحدى مقالاتها، تشرح رايس «المأزق الأمريكي» بما مفاده: «إن سقوط الاتحاد السوفييتي لم يسفر عن تحدٍ أو خطرٍ استراتيجي جديد للولايات المتحدة.. وأقام هذا الوضع حدوداً لحركة الولايات المتحدة الأمريكية».
كلام رايس هذا، كان واحداً من عشرات المقالات التي خلصت إلى ضرورة إيجاد «خطرٍ خارجي» يمكِّن البنتاغون من مساحاتٍ أخرى للعمل العسكري، لا سيما مع تصاعد حركة الشارع على وقع الأزمات الاقتصادية، والتي كانت أحداث سياتل 1999 إحدى أهم نقاط علامها.
عند هذا الحد، شكَّلت فكرة «الحرب على الإرهاب» مخرجاً «جيداً» للإدارة الأمريكية، وحدثاً جديداً في العلاقات الدولية, إذ سمح هذا الإعلان بتشويه فكرة «الحرب الوقائية»، وتحميلها مضموناً آخراً مفاده: «حق التدخل العسكري، بمجرد الشك بتراكم قدرات معينة لدى العدو تمكنه من تهديد أمننا القومي في المستقبل»، ولخلق «عدوٍ مبهم»، لا مشكلة لدى الإدارة الأمريكية في فبركة حدثٍ مأساوي على شاكلة ضربات 11/9/2001. وما تلا ذلك من سلسلة تدخلات عسكرية مباشرة، نهبت خلالها واشنطن وحلفاؤها ما نهبوه، ومرروا ما يريدون تمريره.
يشبه إعلان بوش في 20/9/2001، إعلان هتلر عام 1939، حيث أعطى الأول «الحق» للولايات المتحدة بالتدخل متى شاءت، وفي المكان الذي تريد، إلا أن الاختلاف بين الإعلانين، يكمن في تعامل هتلر معه من موقع «المنتصر»، وفي تعامل واشنطن معه من موقع المدرك لضرورة تأخير التراجع الاقتصادي، أي من موقع المأزوم.
اليوم، ونتيجة للتغيرات في موازين القوى الدولية، تعاني الولايات المتحدة من ضيق الهوامش أمام تدخلاتها العسكرية المباشرة، ما أجبرها للانتقال إلى تلك غير المباشرة التي يجري حصارها وتطويقها اليوم من الخصوم الاستراتيجيين لواشنطن، فأين المهرب؟ لا يخفي مستشارو الأمن القومي ذاتهم تخبطهم أمام «المأزق الأمريكي» في طوره الأعلى..!