طور جديد من الأزمة.. ومهام أُخرى؟!
قال رئيس تحرير صحيفة «غارديان» سيمان ميلن إن التقلبات الحادة، التي رافقت «الاثنين الأسود» هذا الأسبوع، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الأسهم الصينية بنسبة 40% تؤكد على هشاشة الانتعاش الدولي، مشيرا إلى أن الصين تملك فرصة اجتياز الأزمة، أما أوروبا ففي طريقها إلى انهيار الاقتصاد. وميلن ليس الوحيد، الذي يحذر من عمق الازمة الرأسمالية، ومخاطرها، وأطوارها المتعددة، والمستمرة، بل أن احتمالات تطور الأزمة باتت تشغل بال الكثير من مراكز الابحاث والنخب الإعلامية والسياسية العاقله في الغرب.
تعرف المراكز الرأسمالية أكثر من غيرها، وقبل غيرها، حجم المأزق التاريخي الذي تمر به، لذلك منذ أن تلمست وجود الأزمة، سارعت الى «ابتكار» الحلول لتجاوزها، وكعادة الرأسمالية، كانت الحرب أحد أهم خياراتها في تأريض الأزمة، ومن هذه الحقيقة بالضبط، يمكن تفسير الصراعات المنتشرة في العالم، وتفسير التزايد المضطرد للتوتر العسكري على النطاق الدولي، والخطاب الحربجي لنخب الإدارة الامريكية، وبعض الاوربية، بحجج مختلفة، وبشيء من المتابعة يلاحظ المتابع أن الأشهر التي سبقت اعتراف ميلن آنف الذكر، على خلفية ما شهدته البورصات العالمية، شهدت توتراً على أكثر من جبهة، فكانت الممانعة الأمريكية لتسوية الأزمة الاوكرانية، رغم رغبة الكثير من حلفائها الاوربيين، وكانت صفقات السلاح مع الحكومة الاوكرانية، وكان التحالف العربي والحرب في اليمن، وصفقات السلاح بمليارات الدولارات، وكان التحالف الدولي ضد داعش في سورية والعراق، وكانت وما زالت المحاولات الأخيرة في توريط تركية بصراعات عسكرية على أكثر من جبهة.
الاستثمار في البنى الهشة.
من خصائص الحروب الامبريالية في العالم المعاصر، هو الاستثمار في البنى الهشة في بلدان الرأسمالية الطرفية، اي ما اصطلح عليه، الحرب الناعمه، عبر تفجير التناقضات الاجتماعية والسياسية المتراكمة على مدى عقود، بمعنى آخر إن المركز الامبريالي الأمريكي، يحاول تعويض تراجعه إما بحروب مباشرة، او تفجيرهذه التناقضات ليذهب الريع في الحالتين، إلى المركز، فالجموح الامريكي العسكري ليس دليلاً على أنها قوة لاترد، بل هي قبل ذلك استثمار في ضعف تلك البنى المستهدفة، حيث أسست برجوازية بلدان الرأسمالية الطرفية لكل أشكال الاختراق الاقتصادي والسياسي والثقافي..
قوة ردع...؟
استهداف بلدان الأطراف أمريكياً، حسب رأي الكثير من المحللين، هو الخطوة الأولى نحو هدف استراتيجي أكبر، وهو كبح الصعود العاصف للدور الروسي الصيني، أو على الأقل إرباك هذا الدور، الذي بات يهدد السيادة الامريكية على القرار العالمي، ومن هنا لا يمكن التكهن بمصير بلدان الأطراف، إلا في سياق ثنائية التراجع – الجنون الامريكي، والتقدم الروسي الصيني، وبعبارة أخرى إن جملة الصراعات العسكرية الدائرة في منطقتنا، هو سباق غربي عموماً، وأمريكي على وجه الخصوص مع الزمن، للحفاظ على ما يمكن الحفاظ في ظل التراجع المستمر أمام القوى الصاعدة، ولما كان صعود دور القوى الدولية الجديدة أمراً محسوماً بحكم محدودية خيارات القوى المتراجعة، ووصولها إلى أفق مسدود، فأنه سيؤدي بالضرورة إلى تغيير كامل قواعد اللعبة في العلاقات الدولية.
حركة التحرر..
مهام جديدة.. وطور جديد
على ما يبدو من قانونيات الأزمات الرأسمالية، أن يواكبها نهوض عالمي أخذت تاريخياً أشكالاً مختلفة، أنجزت في سياقها بلدان الأطراف الاستقلال السياسي، ولم تستكمل تحررها الاجتماعي، بسبب دور القوى البرجوازية التابعة في هذه البلدان والتي كانت موضوعياً جزءاً من المنظومة الرأسمالية، واليوم في ظل الأزمة الحالية، وتراجع المركز الامبريالي، وعجزه عن إدارة العالم بالطريقة السابقة، فأن كل البنية الاقتصادية الاجتماعية في بلدان ما أطلق عليه العالم الثالث، بات مصيرها إلى الزوال، أي أن بلدان الأطراف أمام موجه تاريخية جديدة، تتداخل فيها المهام الوطنية مع الاقتصادية الاجتماعية.