العراق: تصاعد الحراك.. رغم الالتفافات
بعيداً عن الاستثمار السياسي الممارس من طغم النهب المالي المشاركة في نظام التحاصص، أمريكي النشأة، يرسم الحراك العراقي خط البداية لمسار الأمور في العراق، كما يحلم به الغالبية الساحقة من أبنائه، بغض النظر عن مآلاته المرحلية المحتملة.
يراوغ نظام النهب «التوافقي» في العراق. فمع إرهاصات التحول في المشهد العراقي، وتصاعد الحركة الشعبية المطالبة بالحد الأدنى من الحقوق الطبيعية، تكثف قوى التحاصص استغلالها للمستجدات السياسية، لتصفية الحسابات فيما بينها دون حسابٍ لمدى جذرية المطالب المرفوعة.
رغم الاستغلال السياسي الذي باشرته قوى النهب العراقي، والذي تجلى خلال الأسابيع الماضية بقيام رئيس الوزراء حيدر العبادي بسلسلة مطولة من «الإصلاحات» السياسية والإدارية، التي بدا دورها الوظيفي واضحاً، في إطار التجاذب السياسي الحاصل بين العبادي من جهة، وباقي كيانات التحاصص السياسي من جهةٍ أخرى. غير أن تصاعد الحركة الشعبية، والتطور الواضح في مستوى الخطاب السياسي فيها، باتا يؤشران إلى مدى جدية هذا الحراك، والإمكانيات الموجودة لتحويله إلى حركة سياسية فاعلة، سواء الآن أو في الموجات اللاحقة من هذا الحراك، الذي بات واضحاً أن حدوده سوف لن تتوقف عند جولة واحدة، أو تنكسر عند أول استحقاقٍ تتعرض له.
«الإصلاحات» والمطالب: هوة واسعة
يبدو الفارق بين الإصلاحات الهزيلة التي تقوم بها حكومة العبادي، والتي تقتصر حتى الآن على إقالة هذا المسؤول أو ذاك، وتخفيض أجور وبدلات المناصب الحكومية والإدارية، وبين المطالب الشعبية التي باتت تتخطى الحواجز، رافعة شعارات جذرية، تطالب بإسقاط التحاصص بوصفه أحد المفرزات ذات التأثير الكارثي الأكبر على العراق وشعبه، في سياق فارق كبير لا يمكن ردمه إلا من خلال ثني أحد طرفي التناقض هذا.
في سياق موازٍ، تتعرض الاحتجاجات إلى سلسلة طويلة من الاتهامات والهجومات التي تشنها عليها أطراف النهب، التي كبدت العراق ما يوازي ألف مليار دولار منذ ترسيخها كنظام مدعوم أمريكياً. وكالعادة، تركز الاتهامات على توصيف الحراك بأنه تابع إلى إحدى الجهات الإقليمية، فبينما تتهم أوساط الحكومة الحراك بأنه «إيراني»، تلصق به أوساط أخرى تهمة «الأمركة». وفي الحالتين، يتجاوز جوهر التظاهرات، ولاسيما ذات التركيبة العمالية في الجنوب، مختلف الاتهامات، بتعبيرها المركَّز على استقلاليتها، ورفضها لقوى التحاصص التابعة إقليمياً.
الحراك النهائي؟ بشكله النهائي؟
يبدو من الغبن تحميل الحراك الحالي كل الآمال التي يتطلع إليها الشعب العراقي، لا سيما أن مفهوم الحراك بحد ذاته لا يشترط مساراً واحداً للاحتجاجات، بل أن تلك الأخيرة، واستناداً إلى مستوى النضوج في الظرفين الدولي والإقليمي، سوف تتخذ لنفسها جولات عدة، تراكم من خلالها الخبرة على الأرض، وتتزايد عبرها أعداد المشاركين التي تبدو منذ اليوم ميالة نحو الارتفاع، على وقع أرقام التراجع الاقتصادي الكارثي الذي خلفه النهب الواسع الممارس من قبل الأقطاب السياسية.
من هذا المنطلق، لن يكون هذا الحراك حراكاً وحيداً على الساحة العراقية، فمنذ اليوم، على منظومات التحاصص التي شيدت قصورها استناداً على واقعٍ، سابق كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية هي السيدة في هذا العالم، أن تتحسس رأسها يومياً على وقع الحركة الشعبية المتصاعدة في العالم كله..