«التسوية الشاملة».. منطق المرحلة الماضية

«التسوية الشاملة».. منطق المرحلة الماضية

على وقع الحراك المتصاعد في الداخل الفلسطيني, تنشط محاولات عدة إقليمية لاحتوائه باتجاهات وأهداف مختلفة, ليس آخرها المحاولات المحمومة للحديث عن «اتفاق شامل» يجهز على قدرة المقاومة في غزة.

على مسار مخالف للحراك الشعبي الفلسطيني، تمضي معظم القوى السياسية الفلسطينية بعقلية المرحلة الماضية، بعقلية مرحلة التراجع التي اتسمت بقدرة الإدارة الأمريكية وأداتها الصهيونية على فرض إملاءاتهما على الأرض، سواء عبر الإجراءات العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، أو محاولات عرقلة التثمير السياسي للانتصارات الفلسطينية. وتبدو هذه العقلية مستمرة لدى السلطة الفلسطينية، ومستجدة إلى حدٍ ما في بعض الطروحات التي باتت تتبناها أطرافٌ من «حماس».


من الميدان إلى السياسة

جملة من اللقاءات جرت خلال الأسبوع الماضي بين قوى سياسية فلسطينية وإقليمية. في العموم، تشترك هذه اللقاءات في محاولتها دفع القضية الفلسطينية إلى مكانٍ جديد مغاير لما يكرسه الحراك الشعبي الفلسطيني اليوم. وتأتي الطروحات التي حملتها هذه اللقاءات متناسبة مع السقوف الموضوعة أمريكياً لإمكانية التثمير السياسي في الملف الفلسطيني. فيما تبدو الطامة الكبرى أنه، وبعقلية مرحلة التراجع نفسها، يعمل الساسة الفلسطينيون على الاستفادة من العلاقات الإقليمية، بغض النظر عن وضع هذه القوى في إطار المتغيرات الإقليمية. هنا، يمكن تصوير الموضوع كمن يذهب إلى الطرف الخاسر مسبقاً طالباً دعمه..
وبالعودة قليلاً إلى تداعيات الحراك على الساحة الفلسطينية، فقد بدا واضحاً من تصريحات المسؤولين الصهاينة ووسائل إعلامهم، أن الكيان تخلى جزئياً عن لهجة التصعيد العلني، ذلك لعلمه بمآلات وصول الشارع الفلسطيني إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة يخشاها الصهاينة جدياً (غير أن عباس توعد مؤخراً بمنعها). بعبارة أخرى، ما لم تفهمه بعض القوى الفلسطينية وعجزت عن قراءته، نجح الكيان في التعامل بمقتضاه، فذهب إلى الالتفاف على حركة الشارع الفلسطيني وفق ما تقتضيه مرحلة التراجع الأمريكية والصهيونية. وبناءً على مقولة إذا تراجع عدوك فعليك إلحاقه بالطعنات الموجعة، يبرز السؤال حول ما هو الطائل من إحياء «محادثات السلام» بما تحمله من «هدن طويلة الأمد»، في ظل الإمكانية المتاحة أمام الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة؟


بين تركيا والأردن

كشف مستشار رئيس الوزراء التركي، ياسين أقطاي، خلال الأسبوع الماضي أن «غزة تتجه إلى عقد اتفاقٍ شاملٍ مع «إسرائيل».. وتوقيع هدنة تصل إلى عشرة سنوات»، معتبراً أن «حصار غزة أصبح قضية تركية، وشرطاً لإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني». وهنا تبدو جلية المحاولة التركية لمساندة الكيان من بوابة «الخصم» الشكلي. ورغم نفي «حماس» الرسمي لموضوع الاتفاق والمفاوضات، إلا أن ذلك لم يمنع العديد من تصريحات مسؤولين داخل الحركة حول مقترح يجري تداوله بعد زيارة خالد مشعل الأخيرة إلى أنقرة.
وفي مشهدٍ مشابه، شهدت الفترة نفسها لقاءاتٍ عدة في العاصمة الأردنية، بدأت بلقاءات ثنائية بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ووزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، تبعها لقاءٌ بين عباس والملك الأردني، وانتهت بلقاء ثالث جمع الأخير مع كيري ونتنياهو، ليصدر بعدها بيان عن «الديوان الملكي الأردني» يوضح أهداف اللقاء، وجاء فيه «بحث سبل إعادة الهدوء وإزالة أجواء التوتر في القدس»، و«تهيئة الظروف لإحياء مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»».
من هذا المنطلق، يمكن القول أن الإدارة الأمريكي تستعجل اليوم في تحريك الملف الفلسطيني، بغية التوصل إلى «حل ما» للقضية الفلسطينية، تكون نتائجه أفضل ما يمكن تحصيله أمريكياً في ظل التغيرات في موازين القوى، وهو ما لا تضمنه في المراحل اللاحقة، تبعاً لحدة تراجعها عالمياً وإقليمياً.


من يتحمل منطق «التسوية الشاملة»؟

يتجدد الفرز في الداخل الفلسطيني، وفي داخل الفصائل الفلسطينية كذلك، على أساس ما يحمله الشعب الفلسطيني من إرث نضالي، متمسكاً بحقوقه المشروعة، وعلى رأسها التحرير  وحق العودة، ويجري هذا الفرز استناداً على مرحلة الصعود الثوري التي يفجرها أصحاب القضية في وجه الاحتلال الصهيوني.
عليه، فإن مصير القوى الفلسطينية, أضحى على منعطف خيارات تلك القوى, وهو ما يفسر إلى حدٍ ما تضارب التصريحات بين الفصائل من جهة, وبين مسؤولي الفصيل الواحد من جهة أخرى, تحديداً في موضوع حساس كموضوع «حل شامل للقضية الفلسطينية», على حساب الحراك الشعبي المستمر على الأرض.