نظرة على تركيا: الحراك الشعبي والحزب المتورط
يدفع التراجع الأمريكي المتصاعد عالمياً بالإدارة الأمريكية نحو وضع أدواتها والأنظمة المتحالفة معها على قائمة الحريق، متأملة تغييرات محددة لدى أتباعها، من خلال توريطهم في العمليات «الحربجية».
في الوضع التركي، يبدو نظام «العدالة والتنمية» مترنحاً في نقطة تقاطع تزيد من تعميق أزمته، ما بين تناقضات الخارج التي تحاول من خلالها الولايات المتحدة توريط الحزب أكثر فأكثر في معمعة الجبهات الساخنة، وبين تناقضات الداخل التي خسر الحزب فيها هيمنته على القرار السياسي في البلاد.
قوة «الناتو» تراكم العداء
تمرست الحكومات التركية المتعاقبة منذ عقود في لعب دورها الوظيفي المحدد، بوصفها عضواً في حلف «شمال الأطلسي»، الذي دفعها نحو التورط في الاستفزازات الموجهة أمريكياً ضد شعوب المنطقة، ومحاولة خنق صوت تلك الأخيرة، الذي علا مع تعمق الأزمة الرأسمالية العالمية، لا سيما بعد عام 2008. حيث بدا الدور التركي واضحاً منذ ما قبل عام 2011، في تحوله إلى إحدى أدوات التدخل الإمبريالية في المنطقة، بما في ذلك من نشر القواعد العسكرية التابعة للإمبريالية الأمريكية- والتي استخدمت في حرب العراق-على أراضي الحكومة التركية، عدا عن تصاعد قضية نشر الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها، والموجهة ضد روسيا في الأساس.
كل تلك السياسات التي أغرقت حكومات تركيا نفسها فيها لخدمة الإمبريالية الأمريكية بالدرجة الأولى، سببت تصاعد العداء لسياساتها وممثليها، واستدعت حركات شعبية ضد هذه السياسات في مختلف الفترات.
ارتفاع مستويات البطالة والفقر
وفقاً لتقديرات مؤسسة الإحصاء التركية عام 2015، فقد ارتفعت مستويات البطالة والفقر في تركيا إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ أربع سنوات على الأقل، وذلك نظراً للتراجع الاقتصادي الآخذ بالتصاعد جراء سياسات «العدالة والتنمية»، حيث وصل معدل البطالة في تشرين الثاني من عام 2014 إلى 10.7% من قوة العمل، فيما تفيد الإحصاءات الرسمية أن حوالي 1.3 مليون تركي، تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، كانوا معطلين عن العمل حتى 30 تشرين الثاني عام 2014، وهو ما يعد رقماً قياسياً منذ عام 2010. هذا، وتسجل البطالة ارتفاعاً بين الشبان يبلغ 19.9% بين الذين تتفاوت أعمارهم من 15 إلى 24، فضلاً عن وصولها إلى 13% لدى النساء.
وتؤكد الإحصاءات نفسها أن نسبة الذين يعملون بصورة غير قانونية، أي الذين لم يعلن عنهم أرباب العمل لمصلحة الضمان الاجتماعي، ارتفعت إلى 33.9%، و81.7% منهم موجودون في القطاع الزراعي. كذلك، بلغت نسبة التضخم 8.17% حسب البنك المركزي التركي، هذا عدا عن التدهور المتواصل في العملة التركية منذ 2012.
الخصخصة وفشل «العدالة والتنمية»
أفرزت سياسات الخصخصة الجارية منذ عقدين في تركيا، حراكاً عمالياً متنامياً ضد هذه السياسات، في بلدٍ يشكِّل فيه العمال 64% من قوة العمل، حيث قامت إضرابات عمالية عديدة ضد خصخصة مرافق الطاقة الكهربائية والمناجم في مناطق موغلا وزونجولداك، وقد نجح هذا الحراك في إيقاف مشاريع الخصخصة 2013. وحديثاً أضرب 100 ألف من عمال المعادن، بدعوة من النقابات في شباط 2015، بهدف رفع أجورهم بنسبة 10%.
وفي عام 2013، برز تطور هام في قضية الفلاحين المتضررين العاملين في أراضي تعود للملاك الكبار، حيث تم تمرير قانون ينص على توحيد الأراضي الزراعية، وكان الهدف منه تجميع الأراضي الفلاحية المتفرقة بغية زيادة إنتاجية المناطق الريفية، لكن طريقة تنفيذ حكومة «العدالة والتنمية» لهذا القانون أدت إلى تنمية نفوذ الملّاك الكبار وتقويتهم، ما أدى إلى نهوض حركة فلاحية في الريف ضد هذه السياسات.
وشهدت تركيا حركات مختلفة من حيث الهدف، حيث نزل آلاف الطلاب إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية في جامعة أنقرة وغيرها، ضد السياسات التعليمية الليبرالية عامي 2013-2014، فضلاً عن المظاهرات المعادية للفساد عام 2013، وعرائض الضباط المتقاعدين الرافضين لزج تركيا في مغامرات عسكرية مباشرة وغير مباشرة في الخارج- أشهرها البيان الذي أذاعه 150 ضابطاً متقاعداً عام 2014 ضد سياسات «العدالة والتنمية».
يشكِّل ما سبق، سرداً لأهم العوامل التي أدت إلى تراجع حكومة أردوغان في تركيا، والتي برزت في أحد تجلياتها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث فقد «العدالة والتنمية» سطوته المطلقة على البلاد.