ملف يفتح على ملفات..!
خرجت المفاوضات بين إيران ومجموعة «5+1» لتسلط الضوء على نتائج هامة واستحقاقاتٍ مقبلة يجدر الالتفات إليها جدياً. فإلى جانب تظهيرها لتلك المتغيرات الحاصلة في ميزان القوى الدولي والإقليمي، مهَّدت الطريق لفتح ملفاتٍ جديدة بالغة الأهمية الاستراتيجية.
خلص التفاوض حول الملف النووي لطهران مؤخراً إلى ما كان متوقعاً مسبقاً، وهو الاعتراف بحق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، والتراجع بالتالي عن العقوبات الاقتصادية التي قيَّدت هذا البلد لسنواتٍ طويلة. إذ تعكس هذه النتيجة الواقع المتحرك في موازين القوى الدولية، وتجذِّر تراجع الإدارة الأمريكية وحلفائها الدوليين، الذين حرصوا سابقاً على إضاعة الوقت برفع سقف المفاوضات، وفرض المزيد من القيود على طهران.
من جهةٍ أخرى، يفتح حسم الملف النووي الإيراني الإمكانية الجدّية لوضع ملفين هامين على أرضية البحث من جديد. أولاً: ضرورة العمل على تفعيل اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، واتفاقية الحد منها في الشرق الأوسط، مما يعني ضمناً أن الملف التالي من المفترض أن يكون الملف النووي للكيان الصهيوني، وهو ما يسمح به الظرف الدولي اليوم.
عام 1967، استغل الكيان الصهيوني ظرفاً محدداً كانت تميل فيه الموازين الدولية إلى مصلحة الإمبريالية، التي يلعب دور قاعدتها المتقدمة في المنطقة، وكان خارجاً من انتصاراتٍ عسكرية عديدة، شرع على إثرها بإنتاج السلاح النووي الذي بقي قيد الكتمان حتى الإعلان عنه رسمياً عام 2006، على لسان رئيس وزرائه، إيهود أولمرت. غير أن الظرف الدولي قد تغير اليوم، فلا الولايات المتحدة قوة وحيدة في العالم، ولا الكيان الصهيوني قادر على تجنب المزيد من الهزائم المتصاعدة منذ مطلع القرن الجاري.
وثانياً: ينزع الاتفاق النووي الإيراني اليوم ذريعة الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، وهو ما تعهد به الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في نيسان 2009: «في حال تسوية مشكلة البرنامج النووي الإيراني، لن يكون هناك داع لإنشاء الجزء الأوروبي لنظام الدفاع الصاروخي». وقد بدأ هذا الموضوع يتحول بالفعل إلى موضع سجال روسي- أمريكي، في ظل محاولات واشنطن للتنصل من تعهداتها السابقة.
إلى ذلك، فإن المؤكد حتى الآن، أن كل ملف يجري حله عالمياً فإنه يفتح حلولاً لغيره من الملفات من جهة، ويسرع في تثبيت التقهقر الأمريكي من جهةٍ أخرى. وهذا ما سيفسر التصعيد الذي قد تبادر إليه واشنطن وحلفاؤها خلال الفترة المقبلة.