واشنطن البادئة.. و«داعش» المكمِّلة
وعدت الحكومة العراقية الشعب بإجراء «تحقيق شامل وشفاف» حول أسباب سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية بيد «داعش». ورغم مرور عام كامل على أحد أبرز «منجزات» المحتل الأمريكي, المتجسدة باحتلال ثلث الأراضي العراقية، على يد تنظيم تشير مجمل المعلومات عنه، بأنه نتاج أمريكي بامتياز، تخرج التحقيقات خجولة، إلى حد بعيد.
بعد أخذ ورد، أعلن رئيس اللجنة النيابية الخاصة بالتحقيق في سقوط الموصل أن «سقوط الموصل مؤامرة كبيرة، اشتركت فيها قيادات داخل المدينة، إضافة إلى خلل كبير عند القائمين على الملف الأمني.. سنكشف الجهات وأسماء المقصرين والمتآمرين أمام مجلس النواب، والذين بسببهم تعرض العراق إلى هجوم داعش الإرهابي.. واللجنة ستقدم خلاصة نتائج التقرير النهائي في الأسبوع الأول من الفصل التشريعي المقبل، بالاتفاق مع هيئة رئاسة مجلس النواب.. وفريق التحقيق يعكف حالياً على مناقشة صياغة التقرير النهائي لعرض نتائج مهمة، توصلت لها التحقيقات تتناسب مع مستوى الحدث الأمني».
واتحذ العبادي جملة إجراءات لم تتجاوز دائرة تحميل «الإشاعة» المسؤولية الأولى عن هرب الفرق العسكرية, وهو المشهد الذي تكرر بعد ما يقارب العام على احتلال الموصل باحتلال مدينة الرمادي، مركز الأنبار, واستبدال القادة دون محاسبة للمبعدين، إذ حل 35 قائداً عسكرياً محلهم فقط في حضور «المؤتمرات الدولية للقضاء على داعش»(!!) و«التشاور» المستمر مع الولايات المتحدة. كما جرت مؤخراً مع قائد القيادة الوسطى للقوات الأمريكية، الجنرال لويد اوستن، محادثات بشأن وضع العراق، حيث «بحث التطورات الميدانية في المعارك التي تخوضها قواتنا ضد عصابات داعش الإرهابية، ودعم التحالف الدولي للعراق وعملية تحرير الأنبار وبقية المدن، إضافة إلى تدريب وتسليح القوات الأمنية العراقية». وتوجت هذه الإجراءات في إطلاقه حملة وطنية، لـ«تبسيط الإجراءات الحكومية» تحت شعار «حكومتكم بخدمتكم» في احتفالية انطلقت في 11/حزيران/ 2015..!
تعرض الاقتصاد العراقي لكارثة، إذ دمرت البنى التحتية للمحافظات المحتلة, وقدرت الخسائر المالية بأكثر من 300 مليار دولار. وأكمل «داعش» موجات تدمير الإرث الحضاري العراقي الذي بدأه المحتل الأمريكي في 9/نيسان/2003, ناهيكم عن الجرائم الفاشية التي ارتكبها «داعش» الأمريكي، بحق مئات الآلاف من المواطنين في الذبح والاغتصاب والسبي والتهجير.
وتجري التغييرات الديموغرافية القسرية في المناطق المحتلة، ليس على يد «داعش» فحسب, بل, وعلى يد القوى المتآمرة معها وتلك الانتهازية التي تستثمر في الوضع الكارثي لحسابات سياسية ضيقة.
لقد اختصر أهالي الموصل المشهد السياسي والعسكري الرسمي، بأنه جعلهم «أكثر يأساً» مما مضى, والتصريحات الرسمية مجرد «تخدير»، والتحالف الدولي ما هو إلا «فقاعة إعلامية». أما ساعة الصفر فقد فرَّخت «ساعات صفر» متواترة, والأمر الوحيد المؤكد في نظرهم, هو احتلال الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، على يد 300 «داعشي» ليصبحوا عشرات الآلاف راهناً.
اليوم, وبعد عام على كارثة احتلال الموصل, في جو الاستياء الشعبي الواسع من نظام المحاصصة الفاسد التابع, تبرز قوى شعبية مقاتلة على الأرض تحقق انتصارات على «داعش» وسط امتعاض الولايات المتحدة وأتباعها, وفي ظل لجوء بعض الزعامات السياسية إلى حملات إصلاح داخل تياراتهم، بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة الجديدة، التي أثبت فيها الشعب العراقي أنه لن يتوانى عن مواجهة الظواهر والسياسات كلها، التي حرمته من حقوقه في العدالة والاستقرار والعيش الآمن، بعيداً عن مخططات الولايات المتحدة وأذنابها من قوى التحاصص الطائفي والسياسي.
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي