مآلات التورط.. الارتداد اليمني إلى الداخل السعودي
مع تفاقم الاستعصاء السعودي، سواء على المستوى الداخلي أو عبر تدخلها العسكري في اليمن، الذي باتت حتى الأوساط الخليجية تعترف، بطريقةٍ أو بأخرى، بأنه «توريط أمريكي» لها، من المرجح للسعودية أن تواجه نتائج متتالية لهذا التدخل في المدى المنظور.
من بين نتائج التدخل السعودي في اليمن، تبرز ثلاثٌ منها من شأنها أن تحدد مصير اليمن من جانب، ومن جانبٍ آخر مصير السعودية التي بدا أن تدخلها العسكري في اليمن كان موجهاً إليها بالذات أكثر مما هو موجهٌ لجارتها الجنوبية.
على العكس مما يروج له بأن السعودية هي من يقف وراء «عاصفة الحزم»، وبأنها «خرجت نسبياً» عن بيت الطاعة الأمريكي، تثبت الحقائق على الأرض، أن ما جرى في اليمن يأتي في سياق تكامل المشروع الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة.
واشنطن لن تتدخل عسكرياً..
والرياض لن تحسم
منذ شهرين تقريباً، السعودية تقصف الأراضي اليمنية. أما «تحالفها» الخليجي، فكان في حالة انتظار تدخل الولايات المتحدة على الأرض، بما هو أوسع من التدخل الاستخباراتي واللوجستي، لمساعدة «التحالف» الذي لم تستطع ضرباته أن تغير المعادلة على الأرض، بل على العكس، شهدت المعركة تقدماً وتراجعاً للطرفين كليهما، وفق مقتضيات الاشتباك الجاري منذ ما قبل التدخل العسكري.
شكَّلت السياسة الأمريكية في اليمن صدمةً بالغةً بالنسبة للتحالف الخليجي، بما شكلته من سقوفٍ دولية وإقليمية للمعركة ونتائجها اللاحقة. هنا، بدأ الحديث عن التفافٍ في السياسة السعودية، والخليجية عموماً، باتجاه الرضوخ إلى مسار الحلول السياسية، مع العمل على التأثير في مخرجاتها. ويعود هذا الرضوخ، بدرجة كبيرة، إلى الضغط الروسي في هذا الاتجاه واضطرار البراغماتية الأمريكية للتعامل وفق ميزان القوى الدولي الحالي.
على هذا الأساس، ينتقل ثقل الملف اليمني إلى الرابع عشر من الشهر الجاري، حيث تكلل الجهد الروسي بإعلان مجلس الأمن الدولي قراره إجراء حوار بين الفرقاء اليمنيين في جنيف، بطلب من الاتحاد الروسي، فيما تتالت لاحقاً موافقات القوى اليمنية على ذلك.
«اليمن الجديد
تحدده القوى المنتصرة
إذا كان الفشل العسكري للحلف الخليجي، بقيادة السعودية، قد ارتبط بالدرجة الأولى في حقيقة الأوزان الدولية والإقليمية، ومتغيراتها الجديدة، فإن الحل والحوار السياسي لن يكون بعيداً كذلك عن التأثر بتلك الأوزان. فالتكتل اليمني الناشئ على أساس الضرورة الداخلية، بين الجيش اليمني و«أنصار الله» وجماعة الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ليس مضطراً اليوم إلى تقديم «تنازلات مؤلمة» في جنيف، إلا بالمقدار الذي يوقف التدخل العسكري في اليمن، ويعيد الصراع السياسي اليمني إلى سكة الداخل، وبما يفترض به أن يحقق مطالب الشعب اليمني الأساسية في قيام نظام وطني من جهة، ويحقق العدالة الاجتماعية من جهة ثانية، ومستقل إلى أبعد حد عن كل الاستقطابات السياسية- الميدانية القائمة اليوم، داخلياً وإقليمياً.
وعلى أساس ميزان القوى الجديد، لم تعد «المبادرة الخليجية»، وحتى قرار مجلس الأمن رقم «2216» القاضي بفرض عقوبات على «أنصار الله» وجماعة الرئيس السابق، قادرة على التكيف وفق الأوزان الجديدة للقوى، فإذا ما كان المطلوب لدى القوى الدولية الصاعدة هو تجنب المزيد من الحرائق في العالم، فسوف يكون النظام اليمني الجديد تعبيراً عن تكريس الوحدة الوطنية والمنعة الداخلية ورفض مقررات التقسيم و«الفدرلة».
الاستنزاف الاقتصادي..
وارتدادات الفاشية الجديدة
تفيد التقارير الاقتصادية الخليجية، بأن السعودية فقدت في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري ما يزيد عن 49 مليار دولار من احتياطي عملاتها الأجنبية، نتيجة لتراجع أسعار النفط وكلفة التدخل في اليمن. فيما تؤكد مؤسسة «جدوى» الاقتصادية السعودية للأبحاث، أن المملكة ستسجل عجزاً في الموازنة قدره 107 مليار دولار في 2015.
وبالإضافة إلى المؤشرات الاقتصادية، التي قد تمهد لاحقاً لحالة فوضى داخلية في السعودية، يبدو أن واشنطن لا تمانع في إضافة السعودية إلى قائمة الدول الموضوعة على لائحة الحريق، خاصة بعد التفجيرات المتكررة التي تشهدها مناطق شرق السعودية، لا سيما في القطيف والدمام، مع إعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها، لتكون السعودية قاب قوسين من عملية تغيير وانعطاف، أو الدخول في مستنقع عنف داخلي طويل.