التعاون العسكري الروسي المصري.. وأمريكا الصامتة!
من عديد وسائل التقارب والتجميع بين الدول، يبرز التعاون العسكري كأحد المؤشرات الجدية إلى حدٍ بعيد في قياس الميل العام للعلاقة بين الدول المعنية، وإن لم يكن التعاون العسكري بين روسيا ومصر طارئاً في العلاقات بين البلدين، إلا أن بقعة ضوء يجب أن تسلط على تسارعه اليوم.
منذ اندلاع الموجة الثانية من الحراك الشعبي المصري في 30 يونيو 2013، شهدت الزيارات المكثفة والمتبادلة بين الجانبين الروسي والمصري تلازماً بين التمثيل السياسي والعسكري في معظم الزيارات. والتي كان أولها في نوفمبر من عام 2013 حين استقبل الرئيس السابق، عدلي منصور، وفداً روسياً رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، وعضوية الجنرال سيرجي شويغو، وزير دفاع روسيا الاتحادية.
التنسيق مع الروس خيار دولة
من الممكن القول أن التوجه المصري نحو علاقات تلائم ميزان القوى الدولي الجديد، آخذ بالتبلور أكثر فأكثر، بما يضمن المصالح الوطنية للبلاد، وكان خياراً ممثّلاً بالقوى الوطنية داخل جهاز الدولة التي أخذت على عاتقها مسؤولية حماية مصر وتحصينها، في ظل مشروع الحريق الأمريكي للمنطقة والعالم، والمعبّر عنه مصرياً بوصول تنظيم «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم بعد الموجة الأولى من الحراك الشعبي.
بعد تلك الزيارة، لم يتأخر المصريون أكثر من شهرين لتثبيت البداية المتجددة للعلاقة بين الدولتين، عندما قام وزير الدفاع والإنتاج الحربي آنذاك، المشير عبد الفتاح السيسي، برفقة وزير الخارجية، نبيل فهمي، بزيارة إلى موسكو في تشرين الأول 2014، كشف خلالها وزير الدفاع الروسي أنه بحث مع السيسي إمكانية صياغة اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، لتستمر بعدها اللقاءات بين الطرفين على المستويات كافة، وصولاً إلى زيارة السيسي بصفته رئيساً للدولة إلى قاعدة سوتشي العسكرية في آب2014، ممهداً لاتفاق مبدئي بين الطرفين على صفقة أسلحة شملت أنظمة صاروخية خاصة بالدفاع الجوي ومروحيات هجومية.
وفي سياقٍ تصاعدي، استقبلت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية عدداً كبيراً من الوفود العسكرية الروسية، كان أبرزهم قائد القوات الجوية الروسية، فيكتور بونداريف، في 17شباط من هذا العام، لتستتبع بسلسلة إجراءات تلت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى القاهرة، والتي كان آخرها توقيع بروتوكول للتعاون العسكري، واتفاقاً حول تشكيل لجنة روسية مصرية مشتركة خاصة بالتعاون العسكري التقني، تلاها مباشرة بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء 4 آذار، يعلن فيه عن عقد أول اجتماع في اليوم التالي 5 آذار، برئاسة وزير الدفاع الروسي ونظيره المصري، صدقي صبحي سيد أحمد، حيث بحث الجانبان نتائج التعاون العسكري التقني بين البلدين في عام 2014 وآفاق توسيع وتطوير التعاون خلال العام الجاري، كما اتفق الجانبان على إجراء مناورات عسكرية بحرية مشتركة في المتوسط هذا العام.
الصمت الأمريكي ليس علامة الرضى!
في ظل مستوى التنسيق الواسع الذي تشهده العلاقات الروسية المصرية، فإن الإدارة الأمريكية الساعية إلى لملمة الخسارات السياسية من أوكرانيا إلى سورية مروراً باليمن، أو على مستوى الملف النووي الإيراني كملفات تنحو منحى الحل خلافاً للطريقة الأمريكية التي فشلت في تحقيق مكاسب جدية في حلفها المزعوم «لمكافحة» الإرهاب، تدرك تماماً أن تصعيداً سياسياً في الموقف ضد مصر لن يصب في مصلحتها.
المؤكد أن ما بدأته الإدارة الأمريكية، بشكل مباشر أو عن طريق أدواتها في الإقليم، سيستمر في محاولة الضغط على القرار المصري وحرفه عن خياراته الجديدة. وتبدو نوايا الإدارة الأمريكية هذه واضحة بعد جريمة تصفية داعش لعدد من العمال المصريين على السواحل الليبية.
إن خياراً بثقل الخيار المصري وأهميته على المستوى الإقليمي والدولي في تثبيت رسم خارطة العالم الجديد، يستلزم من المصريين التنبه إلى الارتدادات الأمريكية المحتملة، وذلك ابتداءً من الداخل المصري الذي يحمل العديد من عوامل التوتير والانفجار المستمرين، عبر حوامل المشروع الأمريكي المتمثلة داخلياً بفلول النظام السابق و«الإخوان» في جهاز الدولة، وإقليمياً بالمحاولات السعودية للهيمنة على القرار المصري واحتواء توجهه. وعليه فإن قرارات وطنية واقتصادية اجتماعية سيادية داخلياً بجرأة القرار في التوجهات الجديدة لمصر قد تكفي لدرء جزء كبير من المخاطر المحيطة بالشعب وجهاز الدولة المصري.