أين هي سيدة العالم؟
يمكنك كإنسان جهد الإعلام العالمي على تلقيمه ترهات «نهاية التاريخ»، أن تتصلب في نظرتك لأمريكا كسيدة على هذا الكوكب لا يمكن لها أن تتراجع، فقط إن أسدلت ستاراً على عينيك، وصممت أذنيك بشمعٍ أحمر.
لم يعد إدراك التراجع الأمريكي محكوماً ببصيرة نافذة يتمتع فيها المتلقي فقط. إذ أن معاينةً سريعة لتطورات الأحداث على المسرح الدولي باتت تكشف أن القوة التي هيمنت على العالم، في مرحلةٍ ما، تعيش اليوم على هامش المناورات التي ينحصر دورها في تأخير التباطؤ المؤكد.
ترى هل نجح منطق العقوبات الاقتصادية الغربية، التي جيَّشت له أمريكا وأعدت له العدة اللازمة، في ثني روسيا عن قناعاتها السياسية والاتجاه نحو مصالحها في العالم؟ واقعياً، بدا أن الثمن الأكبر للجوء إلى هذا الخيار قد دفعته أوروبا ذاتها بعدما انعكس ذلك عليها بحكم اعتمادها الواسع على روسيا (التي تملك بطبيعة الأحوال مروحة واسعة من البدائل الاقتصادية عالمياً).
وفي وقت ثبت فيه اهتلاك منظومة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته من خلال تصاعد الحراك الشعبي المناهض لإجراءات التقشف وامتداده في بلدان الاتحاد الأكثر فقراً، يسعى قادة دول المركز الأوروبي للالتحاق بركب تفاوضٍ سياسي لطالما دعت إليه روسيا في أوكرانيا التي صار من الواضح أن محاولات واشنطن لإدامة الاشتباك وتسعيره فيها قد فشلت. هذا فضلاً عن أن ورقة العقوبات الاقتصادية المتخذة بحق إيران لم تفلح مجدداً في ليّ ذراعها لتقديم تنازلات تخص ملفها النووي.
كذلك، يتجلى الإدراك الأمريكي لتراجع دوره في العالم من خلال المحاولات المحمومة للإدارة الأمريكية بهدف عرقلة الحلول السياسية في العالم، من أوكرانيا إلى ليبيا واليمن، وصولاً إلى مصر التي إن اقتضت الحاجة للحفاظ على مستوى معين من سياسات السلطة فيها يجري التلويح لها بكياناتٍ إرهابية تهدد شطريها.
في المقابل، يمضي منطق تجميع القوى لدى المحور الآخر إلى أبعد مما هو متوقع. ففيما تعمِّق روسيا وفنزويلا علاقتهما مع مصر، تتقدم الصين خطوات ثابتة إلى الأمام في علاقاتها مع الأرجنتين وتايلند (التي كانت حتى الأمس القريب حليفة لواشنطن).
يأتي ذلك في ظل الانكسارات المتتالية لأدوات الحريق الأمريكية، من الفاشية الجديدة في أوكرانيا وغيرها، إلى «داعش» التي إن بانت حقيقة النفخ الإعلامي فيها على أيدي المقاومة الشعبية في (كوباني) عين عرب والمنطقة الشرقية في سورية، فلا بأس بـ«فيلمٍ مرعب» يعيد إليها جزءاً من الصورة المفقودة!