«بوديموس» إسبانيا: طيف «سيريزا» جديد؟
يبدو أن موجة الاحتجاجات المناهضة للتقشف في أوروبا لن تقف عند حدود اليونان. هذه المرة، جاءت الاحتجاجات الإسبانية التي شهدها الأسبوع الماضي لتشي بإرهاصات تحولٍ ما في البلد الذي نال المرتبة الثانية، بعد اليونان، من حيث عدم الثقة الجماهيرية بسياسات الاتحاد الأوروبي- حسب استطلاعات الرأي الأوروبية.
منذ بداية هذا الشهر، شهدت العاصمة الإسبانية، مدريد، ازدياداً مضطرداً في الاحتجاجات الشعبية المناهضة لسياسات التقشف الحكومية، لتمتلئ ساحات البلد بلافتاتٍ تشدِّد على أنه قد «حان وقت التغيير». أما الهدف فهو: «اللحاق باليونان وبقية دول جنوب أوروبا التي تناضل ضد الترويكا وضد ميركل» حسبما يقول بابلو إغليسياس، رئيس حزب «بوديموس» ذو الصورة اليسارية، والذي «يقود» الاحتجاجات المناهضة للتقشف.
جذور الأزمة
بعد تنامي الأزمة الاقتصادية الرأسمالية، انفجر الوضع الاقتصادي الاجتماعي في أوروبا، والذي عنى بالنسبة للجنوب الفقير المزيد من النهب والإفقار المطبق من قبل رؤوس الأموال الأوروبية. وكذلك كان الحال بالنسبة إلى اسبانيا التي شهدت، كباقي البلدان الفقيرة في الاتحاد الأوروبي، مزيداً من إجراءات التقشف الليبرالية التي شملت زيادة الضرائب والرسوم وتخفيض سياسات الدعم الاجتماعي في مجالات الصحة والتعليم، عدا عن ارتفاع نسب البطالة وتسريح العمال والموظفين. ورافق ذلك نشوء مزاج شعبي معادي لهذه السياسات، والذي تُرجم في نمو الإضرابات العمالية والطلابية بتواتر منذ عام 2009، وتطور أزمة التعليم في عامي 2013 – 2014.
أزمة التعليم القادمة
في وقتٍ انصبَّ فيه تركيز وسائل الإعلام الغربية على تغطية الاحتجاجات التي يقودها «بوديموس»، كان التعتيم الإعلامي يطبق على حركاتٍ أخرى ترفع هي أيضاً شعارات معادية للتقشف، لكن من مواقعٍ أخرى.
في هذا الإطار، شهدت إسبانيا في عامي 2013 و 2014 إضرابات عامة دعت إليها نقابات الطلاب والعمال ضد رفع أجور التعليم الذي أقره قانون «تحسين جودة التعليم» الليبرالي، وأعلنت كل الجامعات ونقابات العمال الإضراب في خطوةٍ شارك فيها كلٌّ من الطلاب وأهاليهم.
يأتي ذلك بالتوازي مع تطبيق ما يسمى خطة «النظام الصارم في التعليم الجامعي» التي استوردتها الحكومة الإسبانية من بولونيا نهاية عام 2014، والتي تفرض ارتفاعاً جديداً في رسوم التعليم منذ النصف الأول من العام الحالي في الجامعات ذات الدوام الصباحي. ولهذا السبب، تستعد نقابات الطلاب للتحرك ضد الهجوم الحكومي الجديد على التعليم، نهاية شهر شباط الحالي.
و«كوكا كولا» حاضرة
قامت شركة «كوكا كولا» الأمريكية بإغلاق مصنع تعبئة في فوينلابرادا، بعدما سرَّحت 278 عاملاً لديها أوائل شهر كانون الثاني 2015. معلنةً نيتها إغلاق المصانع الثلاثة الأخرى في إسبانيا وتسريح 2000 إضافيين، عدا عن تعريض الآخرين لعمليات نقل تعسفي وتقاعد مبكر. أمام هذه الحالة، أضرب العمال عن العمل تضامناً مع العمال المسرحين، واعتصم المسرَّحون في معاملهم رافضين المغادرة، ومطالبين بإعادتهم إلى العمل وإلغاء القرارات التعسفية. فكان أن تدخلت الشرطة الإسبانية، واقتحمت المعامل في 31/1/2015، لفك الاعتصام والإضراب بالقوة، وقامت بالاعتداء على العمال بالضرب والاعتقال.
على هذا النحو، تعطي أزمة التعليم الجديدة والإضرابات العمالية الأخيرة مؤشرات واضحة حول تطور الأحداث في إسبانيا. وتفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، بما يفتح باب التساؤلات أمام رأس المال الأوروبي للبحث في آليات استثمار موجة الاحتجاجات الشعبية، وسبل الالتفاف عليها.
«بوديموس» والمشروع «الجذري»
إثر المناخ الشعبي العام المتجه نحو معاداة الليبرالية والتفاوت الطبقي، شقَّ حزب «بوديموس» طريقه نحو اغتنام الفرصة، وبدأ مساراً يحتاج المراقب لمتابعته قبل إطلاق أحكام نهائية حوله.
نشأ «بوديموس» والذي يعني بالعربية: «قادرون» في أعقاب الشهر الأول من عام 2014, لينال بعد خمسة أشهر فقط 8% من استطلاعات الرأي الإسبانية وخمس مقاعد في البرلمان الأوروبي. أما الآن، فهو المرشح الأكثر حظوظاً في الانتخابات الإسبانية العامة التي ستجري في 20/12/2015. فيما سيكون خوض الحزب للانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 24/5/2015 بمثابة «تسخين» قبل مضيه في الانتخابات العامة.
على شاكلة «سيريزا» اليوناني، لا يطرح «بوديموس» خطاً سياسياً واحداً له، حيث أن تعدد الرؤى داخل الحزب قد جمع بين من هو رافض لوجود القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا مع من «أدرك أنه من الخطأ محاولة تأميم الاقتصاد الإسباني. بل إيجاد طريقة عامة لإدارة الاقتصاد والتفاوض» حسب ما يقول جوان مونديرو، أحد قادة «بوديموس».