مصر والمعارك الجامعة.. ثورة استكمال الثورتين
بعد أربعة أعوام على موجة الحراك الأولى، استدعى الحدث المصري سلسلة من التحليلات من كل شاكلةٍ ولون. ويبدو أن إحدى أكبر القنابل الدخانية الملقاة في التعاطي مع الحالة المصرية اليوم هي الابتعاد عن توصيف حال جهاز الدولة المصري، والإضاءة على المسارات داخله منذ بداية الحراك في 25 يناير2011.
إن التغيرات، بحدودها الدنيا، التي طرأت على جهاز الدولة المصري، ودوره في كل مرحلة ابتداءً من موجة الحراك الأولى، تأتي من كونه وبتركيبته السابقة المعتمدة على نفوذ واسع للفساد الكبير، يشكل إحدى معيقات المضي نحو الاستحقاقات الضرورية لإخراج مصر من نفق المشاكل الهائلة التي تعيشها وتهدد وجودها كدولة ربما.
إشكاليات البنية وضيق الإمكانات
في دولة تتسم بضخامة جهاز الدولة وبدورٍ مركزي واسع له على مرافق الدولة الأساسية، يصبح من الصعب الحفاظ على كيان الدولة موحَّداً إن فقد جهازها هذه السمة الجوهرية. وعلى الرغم من أن مصر، كباقي دول الأنهار الكبرى، تتصف باستجابة منخفضة للتغيرات الاقتصادية- الاجتماعية، إلا أن ارتفاع حدة التناقضات داخل هذا الكيان وحجم المخاطر المحيطة في ظل تشابك ملفات المنطقة، أصبح يهدد اليوم فعلياً استمرار جهاز الدولة وقدرته على إيقاف انفجار متوقع لهذه التناقضات في المرحلة المقبلة.
بالملموس، تمثُل أمام قوى جهاز الدولة، ممن تستشعر مخاطر المرحلة المقبلة، جملة من العوائق المتراكمة منذ وقتٍ طويل، كقضية نقص الموارد المستثمرة وطنياً، وبالتالي ضعف تمويل مشاريع التنمية ذات الأهمية الملحة لبلد الـ100 مليون نسمة، واعتماد مصر غذائياً على المساعدات الأمريكية ومؤخراُ الهبات السعودية- الإماراتية، وهي «الحلول» التي أجلت البحث عن حلول استراتيجية جدية لمواضيع التنمية والأمن الغذائي المصري. كما أن حجم التناقضات في كل مفاصل الدولة يكتسب عند كل إنجاز جديد، ضرورة بذل جهد مضاعف للحفاظ عليه، وهنا يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى قضية أثيرت مؤخراً حول قرار تطبيق الحد الأقصى لأجور العاملين في القطاع الحكومي، بما في ذلك قطاعا البترول والبنوك والمحدد بـ42 ألف جنيه شهرياً، بعد وصول رواتب قيادات البنوك إلى 140 ألف جنيه شهرياً، وهو ما أدى لاستقالة 150 من كبار المصرفيين المتنفذين من بنوك «الأهلي- مصر- القاهرة».
وعلى المقلب الآخر، فإن قضية العفو عن الرئيس المخلوع، حسني مبارك، والتي تدل على حضور النظام السابق في صياغة القرار المصري حتى اليوم، سمحت لـ «الإخوان المسلمين» بمحاولة تأليب الرأي العام على الحكومة المصرية، بتهمة تمثيل مصالح النظام المخلوع.
التعلم من تجربة الحراك الشعبي
في ظل التحديات التي تعيق تقدم القوى الوطنية عن إنجاز استحقاقات مرحلة مهمة من تاريخ مصر، وذلك لحجم هذه التحديات من جهة، واستنفاذ مفعول جزء من الأدوات التي عملت على استحداثها المؤسسة العسكرية والقوى الوطنية داخل جهاز الدولة منذ 25 يناير من جهة أخرى، أصبح من الضرورة بمكان الاعتماد على أدوات جديدة من الممكن استنباطها من تجربة الحراك الشعبي نفسها في الأعوام الأربعة الماضية، فالحراك في موجتيه الأولى والثانية، والنتائج التي تبعته على مستوى التغيرات في هرم السلطة ومراكز القرار ونوعية تأثيره، من الممكن أن تكون أداة فعالة في قلب موازين القوى داخل جهاز الدولة، بما يخدم مصالح الحراك الشعبي نفسه، وذلك في حال إثارة ملفات جامعة على الصعيدين الاقتصادي- الاجتماعي والوطني، وحجم الاستياء الشعبي الأخير بعد قضية العفو عن مبارك، والذي هو بالمضمون استياء على نفوذ الفساد في جهاز الدولة، يدلل على إمكانيات جديدة يفتحها الحراك الشعبي نفسه اتجاه التغيير المطلوب.
تبدو الإشارة التي أطلقها الرئيس السيسي بالقول: «إن الشعب الذي قام بثورة 25 يناير وأكملها ثانياً وتحرك في 30 يونيو، من الممكن أن يتحرك مرة ثالثة»، ورغم تأكيداته بأنه لن ينتظر حتى تصل الأمور إلى هذا الحد، فإن هذه الإشارات الأولية في الخطاب من الممكن أن تتحول إلى أمر واقع في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها عملية إنجاز التغيير داخل جهاز الدولة.