الكيان الهشّ.. أزمة حكم أم قلق الوجود؟
فجَّر رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، قنبلة مدوية داخل التجمع الاستعماري، عندما أقدم على فصل/ إقالة أبرز قادة ائتلافه الحكومي من الوزارة، وزير المالية، يائير ليبيد، زعيم حزب «يوجد مستقبل»، ووزيرة العدل، تسيبي ليفني، زعيمة حزب «الحركة»، مما أدى لاستقالة جميع وزراء الحزبين من التشكيلة الحكومية.
الفرد/الرئيس والعجزة
لم يمض على تشكيل الحكومة الـ 33 في كيان العدو أكثر من عشرين شهراً، بائتلاف خمسة أحزاب سياسية، تتراوح مابين «اليمين ويسار الوسط». جاءت قرارات الإقالة/ الفصل من الوزارة، محمولة بخطاب هجومي أطلقه نتنياهو على المستهدفين: «في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في اليوم الأخير، حمل الوزيران لبيد وليفني بشدة على الحكومة برئاستي. لن أتحمل بعد الآن معارضة داخل الحكومة، ولن أتحمل وزراء يهاجمون من داخل الحكومة سياسة الحكومة ورئيسها، إنه إنقلاب»، داعياً إلى «حل الكنيست بأسرع وقت ممكن للذهاب للشعب والحصول منه على تفويض واضح للقيادة».
وفيما سارعت ليفني بالرد: «رئيس الوزراء نتنياهو خوَّاف ويجب علينا تغييره.. إنها مشكلة إضافية مع نتنياهو الذي لم يتحدث بصدق وأخفى الحقائق، وما تحدث عنه كان المزيد من الكذب». قال أحد قيادات «يوجد مستقبل»، الوزير المستقيل، مائير كوهين، معقباً على الخطاب: «عندما ألقى نتنياهو خطابه ضحكنا، كما فعل كل «الإسرائيليين» الذين ضحكوا على خطاب كهذا.. إنه خطاب خالٍ من الحقيقة».
أما يائير ليبيد، فقد ذهب لأبعد من التوصيف، تحدث عن التخريب الذي أحدثه نتنياهو على أكثر من صعيد: «لقد ألحق ضرراً خطيراً بالحلف الاستراتيجي بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، وضرراً بالغاً بالعلاقات مع البيت الأبيض»، مضيفاً: «لقد فضّل المصالح الشخصية على أي إصلاح في جهاز التعليم والصحة.. إن نتنياهو لن يشكل الحكومة المقبلة. لقد ارتكب خطأ والثمن الذي سيدفعه على هذا الخطأ هو أنه لن يكون رئيس حكومة بعد الآن».
حكومة الأزمات والفشل
لم تسقط الحكومة بفعل مماحكات وتعارضات وخلافات أحزاب الائتلاف على قضايا اقتصادية واجتماعية- رغم أهمية ما أفرزته من تناقضات- كالموازنة العامة وبشكل أكثر خصوصية، الميزانية المقترحة للجيش، ورسوم الضرائب وقضايا التعليم والصحة والسكن وخصوصية المتدينين/«الحريديم» في التعامل مع التجنيد والميزانية العامة. لكن العامل الأهم، كان، في كشف عجز الحكومة عن تأمين الأمن للمستعمرين، وما فرضته وقائع ونتائج العدوان العسكري الوحشي الأخير على قطاع غزة. واحد وخمسون يوماً، صمد الشعب وقاتل أبناؤه دفاعاً عن الوجود وعن المقاومة. لم ترفع غزة الراية البيضاء رغم هول الخسائر البشرية والمادية، بل بقيت صواريخها تدك المستعمرات، مدناً ومستوطنات، في العمق المحتل وعلى تخوم القطاع. أما هدف الجنرالات المعلن في القضاء على سلاح المقاومة، وتدمير الأنفاق، فكان تحرك المقاتلين داخلها، بل والوصول من خلالها لمواقع عسكرية للعدو، دليلاً آخر على فشل جديد. هرب مئات الآلاف من مستوطني مستعمرات غلاف غزة، ونام عدد أكبر داخل الملاجىء في المدن الأخرى، وسقطت أسطورة الجيش الذي لايقهر، إذ قتل وجرح العشرات، ووقع بالأسر من وقع. لم تنهار بنى اقتصادية ومالية داخل الكيان، فقط، بل سقطت معها وتهاوت أوهام «الأمن والرفاهية» الموعودة، لسكان المستعمرات.
الذهاب لانتخابات مبكرة
كما كان متوقعاً، بعد الإنقلاب الذي قام به نتنياهو على حلفائه بالحكومة، جاءت جلسة الكنيست 3 /12، لمناقشة الأزمة المحتدمة وتحديد موعد الانتخابات المبكرة. وقد صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين التمهيدية والأولى على مشروع قانون حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات القادمة، والذي أصبح نافذاً – المشروع- بعد القراءتين الثانية والثالثة في جلسة 8/12.
لم ييأس رئيس الحكومة من إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية جديدة قبل موعد الحسم بالكنيست، لكن جهوده باءت بالفشل. مع انطلاق السباق الحزبي نحو بناء تكتلات وازنة تحوز على أكبر نسبة من عدد مقاعد الكنيست العشرين، بدأ نتنياهو حملته الانتخابية المزدوجة: داخل حزب «الليكود»، بعد عدة أسابيع لترؤسه من جديد، وانتخابات الكنيست في17 مارس/آذار، بعدوان جوي استهدف عدة مواقع بدمشق، في محاولة مكشوفة للتعويض عن فشله في تحقيق أهداف عدوانه الوحشي على غزة، واخفاقاته المتتالية في كبح جماح التحركات الجماهيرية في مدينة القدس والضفة المحتلتين. مع هدف مباشر: توجيه رسالة واضحة لكل المعنيين بتفاعلات الأزمة السورية، بأنه قادر على إعادة اللعب بأوضاع أقطار المشرق العربي، وفي الميدان العملي، خاصة، سورية ولبنان، باستهداف قوى المقاومة.
الأحزاب المعارضة لرئيس الحكومة، هاجمت إقدام نتنياهو على مهاجمة الأراضي السورية في هذا الوقت. النائبة في الكنيست عن «يوجد مستقبل»، يفعات قريب، قالت للقناة الثانية بتلفزيون العدو: «إن نتنياهو لم ينجح في تشكيل ائتلاف بديل للحكومة التي أعلن عن حلها الأسبوع الماضي، وبذلك قرر الذهاب لطريق إشعال الشرق الأوسط في بداية حملته الانتخابية»، مضيفة: «لن تنطلي علينا هذه اللعبة». كما صرح عضو الكنيست، فريج عيساوي، عن حزب «ميرتس» قائلاً: «نتنياهو يسعى دائماً لتعليق فشله على شماعات خارجية ليعلق عليها فشله، وفي حال السؤال عن أدائه في الحكومة والتسبب في غلاء المعيشة يقول إيران السبب، وفي حال سؤاله عن النظام الصحي فيتهم حزب الله». أما حزب «العمل» فقال أحد قادته، موشيه مزراحي: «قبل الانتخابات ستتداخل الأمور ببعضها، لذلك فإن أملي أن لا يصاب أحد بالجنون حتى موعد الانتخابات». ومن المتوقع أن يلجأ «المجنون» في ظل حل الكنيست، وقيادته لحكومة تصريف أعمال لعدة ممارسات فاشية، تلحق الأذى بشكل أكثر دموية بالبشر، وتدميرية بالحجر.
تحالفات إنقاذية أم ثأرية؟
من الواضح أن ما أفرزته انتخابات الكنيست الـ19 في عام 2013، كان في زيادة عدد مندوبي القوى السياسية/الحزبية،التي ذهبت بعيداً في خلق توافقات اجتماعية/اقتصادية، عمقت النهج الفاشي والعنصري. وقبل الحديث عن طبيعة التحالفات الممكنة التي تستند على نقد تجربة الحكومة- الراهنة- التي ترأسها نتنياهو، فإن ائتلاف الضرورة الذي ينضج على نار هادئة بين حزبي «العمل» و«الحركة»، والذي يتم تسويقه على كونه «مركز يسار الوسط» الذي سيحوز على نسبة مقاعد تفوق ما سيحصل عليه الليكود- حسب استطلاعات مراكز متخصصة، وبرامج تلفزيونية- سيجذب إليه قوى أخرى ستنشأ من يمين الوسط (يوجد مستقبل...مثلاً) أو من تشكيلات جديدة (حزب موشيه كحلون) المتوقع الإعلان عنه، قريباً، وعن التصدعات المحتملة في بعض الأحزاب.
وإذا كان الشعار المركزي: «لا لعودة بيبي لمرة رابعة لتشكيل الحكومة» الذي تتوحد حوله القوى الطامحة بإنهاء الحياة السياسية لنتنياهو، الذي يعمل على صياغة شكل جديد من تحالفات لقوى اليمين، المدعوم بقوى سياسية/دينية «الحريديم»،حول برنامج سياسي واقتصادي، موغل في عدائه للفلسطينيين، وفي دعمه لعصابات المستعمرين في الضفة والقدس المحتلتين، وفي إقراره لمزيد من الممارسات «القانونية» العنصرية ضد عرب الثماني والأربعين.
خاتمة
رغم التبني الواسع في الإعلام ولدى بعض السياسيين، للتوصيفات، الجاهزة والمعلبة، عن «يسار ويمين ووسط» في المشهد الحزبي/الأيديولوجي الصهيوني، فإن أجمل ماسمعته في تفكيك هذه المصطلحات، ما تحدث به الباحث والمختص بالقانون الدولي، الدكتور أنيس فوزي قاسم، قبل أيام على شاشة إحدى الفضائيات: «الفرق بين تلك الأحزاب هو كالفرق في الطعم، بين الكوكا كولا والبيبسي كولا».
بانتظار انتهاء المائة يوم المتبقية للوصول لانتخابات الكنيست العشرين، يجب على الحركة الوطنية الفلسطينية، الفصائل والأحزاب والكتائب المقاتلة والقوى المجتمعية، أن تطور من استعداداتها لمواجهة ماتحمله المرحلة القادمة. إنها مدعوة لبناء استراتيجية مقاومة، تعمل على بناء وحدة وطنية حقيقية، تنطلق من برنامج سياسي وكفاحي، يسقط المراهنات على العودة للمفاوضات، ويقطع نهائياً مع السياسة الانتظارية، ومع نهج التنسيق والتفاهم مع أجهزة العدو، ويصوغ أطراً سياسية ومجتمعية وإدارية ملائمة، لمواجهة التغول الاستيطاني/الاستعماري، والاعتداءات اليومية الفاشية على المواطنين العرب وممتلكاتهم ومقدساتهم.