روسيا والهند: اتفاقات عن عشرين عاماً!
عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، أخذت العلاقات الروسية الهندية منحىً ثابتاً نسبياً تراجع خلالها التبادل الاقتصادي بينهما. فيما جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي إلى الهند لتعيد ضخ الدماء، بكثافة، في شرايين العلاقات بين البلدين.
حطَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الهند الخميس 11/12/2014 بعد جولتين أجراهما في كلٍّ من تركيا وأوزباكستان. غير أن خصوصية زيارة الهند قد تمثلت بإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية التي كانت قد تراجعت بعيد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث اقتصر حجم التجارة الثنائية بين البلدين خلال العام الماضي على عشرة مليارات دولار، أي ما نسبته 10% فقط من حجم التجارة الثنائية بين روسيا والصين.
الضرورة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الحليفين في «بريكس»، كان قد عبَّر عنها رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، قبيل زيارة بوتين، قائلاً: «روسيا صديق موثوق به.. دولة يمكن أن تساعدنا في أوقات المشاكل.. لكن هذه الصداقة لم تؤت ثمارها من حيث الإمكانات الاقتصادية».
الاتفاقيات الاقتصادية:
توطيد التعاون ودور الدولة
خلال الزيارة الأخيرة، وقَّع الجانبان الروسي والهندي 16 اتفاقية تبادل وتشغيل بين البلدين، وأبرمت 4 اتفاقات أخرى. العدد الضخم للاتفاقات الموقعة، دفع بمتابعين إلى اعتبارها اتفاقات تسعى إلى إغلاق فجوة عشرين عاماً من التقصير في التعاون الاقتصادي بين البلدين.
في أولى الوثائق الموَّقعة، اتفقت شركة «روس نفط» الروسية وشركة «إيسار» الهندية على عقدٍ مبدئي يقضي بتوريد عشرة ملايين طن من النفط الخام الروسي في العام الواحد، وعلى مدار العشر سنوات المقبلة إلى الهند، حيث جاء الاتفاق ضمن سلة متكاملة حملت اسم برنامج توسيع التعاون في مجال النفط والغاز ومجمع الوقود والطاقة. كما وقع صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي والشركة المالية الاستثمارية الهندية «أويل أنديا ليمتد» مذكرة حول التفاهم المتبادل بخصوص الاستثمار المشترك بقيمة تصل إلى 1 مليار دولار. وعبَّر بوتين عن استعداد روسيا لدعم الهند في استحداث شركة للاتصالات الجوالة، وأشار إلى أن شركتي الطاقة «روس نفط» و«غاز بروم» الروسيتين تعدان مشاريع استثمار الجرف القاري في المحيط المتجمد الشمالي، بالتعاون مع شركات هندية.
وتجسَّد الاتفاق الأكبر في إعلان شركة «روس آتوم» الحكومية للطاقة الذرية عن توقيع اتفاقية خاصة لتوسيع محطة «كوادانكولام» الكهرذرية في الهند. حيث سيجري بناء وتوريد المعدات اللازمة لوحدتي توليد الطاقة الثالثة والرابعة في المحطة الكهرذرية على نفس الموقع، ليبدأ صب الخرسانة في بداية عام 2016. كما تم الاتفاق على بناء مصنع لإنتاج المطاط، وإنتاج الحوامات، وإنشاء «المدن الذكية» اعتماداً على التقنيات الروسية، وإنشاء مصنع لتجميع الجرارات الصناعية.
وفي السياق، اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق الوثيق فيما بينهما، من خلال الآليات المتفق عليها في مجموعة «بريكس» ومنظمة «شنغهاي». كما شددت الدولتان على أن العملات الوطنية ستصبح أساساً في التبادل التجاري بينهما.
عسكرياً: الهند تطور قدراتها
وروسيا تبني المفاعلات
«ستبقى روسيا أول مورد عسكري للهند، على الرغم من تنويع نيودلهي مصادر تموليها، منذ نهاية الحرب الباردة» هذا ما قاله رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، في سياق الحديث عن التعاون العسكري بين البلدين. وهو الجانب الذي حظي بحصة الأسد من الاتفاقات الموقعة بين الطرفين خلال الزيارة الأخيرة.
وقع الطرفان اتفاقاً يقضي ببناء 12 مفاعلاً نووياً في الهند، حيث ستتكفل شركة «روس آتوم» المملوكة للدولة الروسية ببناء كامل المفاعلات. وكان الرئيس بوتين قد أعلن أنه في قائمة المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين البلدين بناء وحدات جديدة لمحطات الطاقة النووية الهندية، وتسويق الطائرات الروسية في السوق الهندية، كطائرات «سوخوي100» و«MS-21»، بالإضافة إلى إدخال نظام الملاحة الروسي «GLONASS» في قطاعات الاقتصاد الهندي. فيما وافقت الهند على تجميع طائرات عمودية روسية، حيث يحظى عقد تجميع الطائرات العمودية بأهمية بالغة بالنسبة للهند التي تعتزم تجديد مقدراتها العسكرية، وتحديث أسلحتها التي تعود إلى العهد السوفييتي.
إلى هذا، أكدت الزيارة الأخيرة على ضرورة تطوير العلاقات بين البلدين، وبين منظومة «بريكس» التي تواجه تحدياتٍ كبرى. ومن خلال النهوض بالعلاقة، تسعى روسيا إلى إيجاد مخارج عملية لاقتصادها المحارب بالعقوبات الاقتصادية الأوروبية والسعي الأمريكي لمواجهة روسيا من خلال تخفيض أسعار النفط العالمية، فيما تحاول الهند تعميق التعاون مع الدول التي تتشارك معها مصالحها الاستراتيجية، ولا سيما إن كان بلداً بأهمية وحجم روسيا الاتحادية.