دول الخليج العربي ومتطلبات المرحلة.. هل من استدارة؟
في إطار البحث المستمر عن مخارج الأزمات البينية، وأزماتها مع دول الجوار، تعمل دول الخليج- قطر والسعودية بشكل خاص- على صياغة مواقف جديدة تتناسب مع الوضع الإقليمي الذي تشهد ملفاته الأساسية ذات الارتباط بالوضع الدولي انعطافات حادة، إثر وصول مباحثات الملف النووي الإيراني إلى خواتيمه، وإعادة فتح آفاق الحل السياسي للأزمة السورية، والتوجهات الجديدة لكل من مصر وتركيا نحو علاقات أفضل مع روسيا و«بريكس».
مع النجاح الأولي لمساعي حلحلة الخلافات بين السعودية وقطر، أصبح الطريق مفتوحاً أمام إمكانية اتخاذ مواقف موحدة في قضايا خلافية أساسية، كالموقف من شرعية السلطة في مصر، والتي تبنت فيها قطر موقف السعودية والإمارات المسبق اتجاهها، ليؤكد البيان الختامي لقمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي على «دعم القمة لجمهورية مصر وبرنامج فخامة الرئيس المصري المتمثل في خارطة الطريق».
كما تظهر موضوعة الإرهاب في البيان الختامي للقمة، كبند منفصل تمت صياغته بعناية ليتعدى الشجب والتنديد الشكلي إلى الترحيب بقرار مجلس الأمن الدولي «2170» في آب 2014، والذي يدين المجموعات الإرهابية في العراق وسورية وبالخصوص تنظيمي «داعش» و«النصرة»، ويؤيد فرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بهذه المجموعات.
أما فيما يخص الموقف من الملف السوري، فيبدو أن سرعة تحريك الملف على المستوى الدولي قد أعطت إشارات التنبيه للسعودية وقطر من أجل بيان موقف يواكب مسار التطورات المتعلقة بالأزمة السورية، حيث تمثل الموقف الخليجي بإعرابه عن «أمل المجلس بأن تتكلل الجهود الذي يبذلها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، بالتوفيق والنجاح»، وهو موقف مبرر مرحلياً بالاقتضاب، في ظل التدخل المباشر والعلني على خط الأزمة السورية، كما أنه يدلل على اشتقاق مواقف هذه الدول من الموقف الأمريكي الذي أجبر على القبول بتحريك العملية السياسية في سورية.
والعقدة مع إيران إلى حل؟
يدرك الخليجيون أن إيران تسير بثبات نحو إنهاء الملف النووي، بما يضمن حقوق الشعب الإيراني في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية، وهو ما يعني خسارة جديدة لأمريكا في المنطقة متمثلة بفشل تذليل المواقف الإيرانية حول الملف النووي أو المواقف المتعلقة بقضايا الإقليم. وهنا لن تقف دول الخليج متعنتة في مواقفها اتجاه إيران، فحينها ستبدو دول الخليج وحدها في مجابهة واقع إقليمي جديد آخذ في التبلور.
وعليه، فإن بيان القمة المذكور تعاطى بنبرة منخفضة نسبياً عما صدر في القمم السابقة، في قضية العلاقة مع إيران، ليؤكد على «تثمين المجلس للجهود التي تبذلها سلطنة عمان من أجل تسهيل وصول مجموعة دول «5+1» وجمهورية إيران الإسلامية لاتفاق حول البرنامج النووي، وعلى حق كافة الدول في استخدام الطاقة النووية السلمية». كما أشار البيان إلى «ضرورة حل مسألة الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، عبر المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية». كما أشار إلى أهمية علاقات التعاون مع إيران على أساس ومبادئ حسن الجوار.
إن بنية وتركيبة داخلية كبنية دول مجلس التعاون الخليجي، المعتمدة سابقاً على قوة النفوذ الأمريكي في المنطقة، هي بنية غير قادرة على درء ارتدادات المعركة الكبرى التي تدار دولياً اليوم في المنطقة، والتي لا يبدو فيها الغرب والولايات المتحدة قادرين إلا على لملمة جزء يسير من نفوذهم. لذلك فالعمل الخليجي اليوم بحدوده القصوى يبقى في إطار تخفيف آثار الخسارة الأمريكية لمشروعها في المنطقة، وهو ما سيعتمد في المرحلة المقبلة على سرعة وحجم التنازلات التي ستشارك فيها هذه الدول لرسم مستقبل المنطقة، بما يحاكي واقع الأوزان الحقيقة للتحالفات الدولية والإقليمية.