تركيا: أزمة الموارد الاقتصادية والعلاقات مع روسيا
في ظل النمو المتباطئ للاقتصادات الأوروبية، والتي اقتربت في منطقة اليورو من الصفر، تبقى تركيا بوضع أفضل بقليل نتيجة الموقع المتوسط لتكتلات اقتصادية كبرى، ما يضمن لها عروض استيراد وأسواق تصريف متنوعة، وهو ما ساهم في تحقيق نسب نمو عالية في السنوات السابقة، وقد تصل هذا العام حتى 2.1% مقارنة ببيانات العام الماضي.
بموازاة أرقام النمو المقبولة نسبياً، مقارنة بالاقتصادات الأوروبية العريقة، تعاني تركيا من أزمة حقيقية في مجال تأمين الطاقة، فتركيا تستورد ما يقارب 90% من النفط الخام والمشتقات النفطية، كما تواجه مشكلة هروب الاستثمارات الأجنبية التي انخفضت هذا العام بنسبة 41%، بحسب «الهيئة التركية العامة للمنافسة»، ما دفع بها إلى البحث عن بدائل جديدة في قطاع الاستثمار، بما يضمن حدود نمو من الممكن دونها دخول منظومة الاقتصاد التركي ككل في دائرة الخطر.
موارد محدودة
والاستيراد ضرورة مرحلية
رغم العقوبات الغربية المفروضة على إيران، فإن الأتراك لم يتخلوا عن إيرادات إيران النفطية الرخيصة نسبياً، مقارنة بأسعار أسواق النفط المجاورة، حيث تؤمن إيران 35% من حاجات تركيا النفطية، كما أن التدفق المنتظم للنفط الإيراني أصبح ضرورة بالنسبة لتركيا في ظل المشاكل السياسية والأمنية التي تعانيها العراق إحدى أكبر أسواق النفط في الشرق الأوسط.
ويبلغ استهلاك تركيا من النفط أكثر من 700 ألف برميل يومياً، بينما لا يتخطى الإنتاج المحلي 100 ألف برميل يومياً، ولا تغطي مصافي النفط التركية إنتاجياً سوى 52% من حجم الاستهلاك المحلي. وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، تملك تركيا احتياطياً يقدر بـ 241 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز، تنتج منه 22 مليار قدم مكعب سنوياً، في الوقت الذي يزداد الطلب على الغاز، ليصل إلى 1600 مليار قدم مكعب سنوياً نهاية العام الماضي، في ظل اعتماد تركيا على الغاز في إنتاج نصف حاجاتها من الكهرباء، وتعتمد بشكل أساسي على إيرادات الغاز الروسي، التي تؤمن حوالي 70% منه.
تسعى تركيا إلى استكمال بناء مفاعل مرسين النووي بالاتفاق مع روسيا، بحلول عام 2022، بالإضافة إلى مفاعل سينوب النووي قيد الإنشاء، واللذان من الممكن أن يوفرا عليها ما يزيد عن سبعة مليارات دولار من مصاريف استيراد الطاقة.
في العلاقات الاقتصادية الروسية التركية
يسعنا القول إن العلاقات الاقتصادية الروسية التركية شهدت في السنوات الأخيرة تسارعاً ملحوظاً، فبالنظر إلى حجم التبادلات التجارية بين البلدين، سجلت الأعوام الأخيرة أرقاماً عالية وضعت تركيا في المرتبة السابعة كشريك اقتصادي لروسيا، وبلغ حجم التبادل في العام الماضي 32.7 مليار دولار، كما تجاوز إجمالي الاستثمارات الروسية المتراكمة في تركيا 1.7 مليار دولار، وحجم الاستثمارات التركية في روسيا بحدود المليار دولار.
في الاجتماع الأخير لمجلس التعاون الروسي التركي رفيع المستوى، والذي انعقد في الأول من هذا الشهر، تطرق الجانبان إلى إمكانيات زيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى 100 مليار دولار، كما أن الاجتماع أكد على مذكرة التفاهم الموقعة سابقاً فيما يخص زيادة القدرة التمريرية لخط أنابيب السيل الأزرق، والذي يمر عبر قاع البحر الأسود، متجنباً المرور في أراضي دولة ثالثة، إضافة إلى إعلان وزير الطاقة الروسي عن تخفيض روسيا لأسعار الغاز بنسبة 6%- من الممكن أن ترتفع لاحقاً إلى 15%- إذا ما تم تحقيق مكاسب من سوق الطاقة.
تعطي هذه الإشارات تصوراً لمنحى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفي ظل تأزم السياسات التركية في المنطقة، من الممكن أن تكون العلاقات الاستراتيجية بين البلدين مخرجاً لتركيا نحو علاقات أكثر عقلانية مع دول الجوار، وسبيلاً لحل قضايا عالقة، كالعلاقات التركية الأرمينية والعلاقات التركية القبرصية.