ترتيب البيت الخليجي وفق المتغيرات الجديدة
دائماً ما كانت دول الخليج على أهبة الاستعداد لملاقاة المشروع الأمريكي اتجاه منطقتنا. المشروع الذي استعان بدول الخليج مراراً في معركته القائمة في الشرق الأوسط ابتداءً من غزو العراق 2003. ليتصاعد، بعدها، دور قطر والسعودية اللتين استلمتا مهام محددة في كل ملفات المنطقة، وهو ما أنذر مبكراً باستنفاذ جزء من الخيارات الأمريكية القائمة على التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة.
مع توغل دول الخليج في جميع أزمات المنطقة، فإن نتائج الملفات الراهنة بالعموم، في حال لم تحقق الهدف المطلوب من المشروع الأمريكي لحرق المنطقة- وهو ما يترسخ مع الوقت- فمن المؤكد أن الخسارات الأمريكية الجزئية، أياً كان حجمها، سوف تنعكس على أطراف المشروع الأكثر هشاشةً، وهنا الحديث عن قطر والسعودية. فإذا كان الأوروبيون هم من دفعوا وما زالوا يدفعون الضريبة الأكبر للتدخل في الشأن الأوكراني، فالموقف مشابه من حيث وضعية دافعي ضرائب الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط.
الخليج يفقد زمام المبادرة
يبدو أن الصفعة التي تلقتها السعودية في اليمن، بعد إسقاط حكومة المبادرة الخليجية، وما تبعها من تطورات، هي إحدى الإشارات على الموقف السياسي المحرج للمملكة إقليمياً، والتي أصبح فيها الانكفاء لحماية الحدود أمراً واجباً، كما أن أحد تصريحات الداخلية السعودية الصادر مؤخراُ يرجح قيام مسلحي تنظيم «داعش» بتنفيذ اعتداءات جنوب البلاد أوائل الشهر الحالي، وهو ما يعني على ضوء تشابك الملفات الإقليمية، أن تكون السعودية قد بدأت بدفع الأثمان، في ظل معركة تسجيل النقاط المستمر دولياً في المنطقة.
على المقلب الآخر، فإن تأثير قطر على ملفات المنطقة بدأ بالانهيار سريعاً، بعد التمدد السريع الذي شهده هذا الدور، وتحديداً بعد خلع «الإخوان المسلمين» من الحياة السياسية المصرية، وفقدانها لورقة تبني الجزء المدعوم أمريكياً من المعارضة السورية، بعد انزياح إحداثيات الحل السياسي في سورية بعيداً عن منطق «الائتلاف في مقابل النظام». ويبقى الخلاف الخليجي- الخليجي، أحد المؤشرات التي يبدو حلها مقترناً بوضع الأمريكي وخياراته اللاحقة في المنطقة.
تحركات على أكثر من اتجاه
تظهر الزيارة التي أجراها وزير الخارجية السعودي مؤخراً إلى موسكو أن التوجه السعودي إلى روسيا والمرجح استمراره، يعني قبول المملكة بواقع المنطقة الآخذ بالتبلور. حيث الخيارات المبنية على المصالح العاجلة والملحة لدى الدول الإقليمية، باتت تعكس حالة الأزمة العميقة التي يعانيها المركز الأمريكي التابعة له هذه الدول.
وفي سياق متصل بالتحركات الخليجية، يجري التحضير لقمة دول «مجلس التعاون الخليجي» الشهر المقبل في الدوحة، حيث أفاد أمين عام المجلس، عبد اللطيف الزياني، أن القمة ستكشف استراتيجية دول المجلس فيما يخص التعاون الأمني خلال الفترة القادم, كما أكد وزير خارجية قطر على أن الخلاف مع دول الخليج أصبح من الماضي بعد قمة الرياض الاستثنائية آب الماضي.
فهل تنجح دول الخليج وتحديداً قطر والسعودية في حفظ دور إقليمي ما لاحقاً، وتحييد أراضيها عن دوامة الأزمات في المنطقة؟