اليمن يغيِّر خريطة الطريق الأمريكية- الخليجية
جاءت الموجة الشعبية الثانية في اليمن نتيجةً لفشل إدارة «الإخوان المسلمون»، بقيادة حركة «الإصلاح» وعلي محسن الأحمر، للبلاد وتأزيم الوضع اليمني من خلال رفع أسعار المحروقات، مما سيؤدي إلى تجويع الملايين.
إضافة إلى ذلك، تأتي عوامل عدم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وتحويل البلاد إلى مرتع لتنظيم «القاعدة» كنتاج لكل الأزمات السابقة، حيث خرج على آثرها الملايين من الشعب اليمني للاحتجاج والاعتصام.
العوامل الإقليمية وسقوط المبادرة الخليجية
كالعادة، تضع القوى الإقليمية وزنها بهدف صياغة المخارج حسب مصالحها. فالسعودية ترغب بالإطاحة بالإخوان، لما يشكله التنظيم من خطر عليها. وتضع مواجهة الحوثيين الصاعدين والذين تعتبرهم حلفاء لإيران ضمن الأخطار الواجب مواجهتها. وبعد موجة الحراك الذي تصدره الحوثيون وبروز احتمال الإطاحة بمصالح كل الدول الخليجية لم يجد السعوديون والرئيس هادي منصور ممثلاً للمؤتمر الوطني العام، بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح مفراً من الاتفاق مع الحوثيين الذين قادوا الحراك، بعد أن سيطروا على صنعاء، وتم الاتفاق على إسقاط «الإخوان» من الحكومة.
وعلى أساسه: وقَّع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، يوم الأحد 21 أيلول، على اتفاقٍ لإنهاء الأزمة في البلاد، بحضور ممثلين عن الحوثيين وموفد الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر. من جانبه قال عمر إنه سيتم تشكيل حكومة كفاءة وطنية في غضون شهر. وأضاف أن الاتفاق يشمل أيضاً مجموعة من الإجراءات من أجل رفع مستوى المعيشة ومحاربة الفساد. وفي الجانب الأمني، ينص الاتفاق على أن تتسلم الدولة المنشآت الحيوية، وأن تزال مخيمات الاحتجاجات من صنعاء ومحيطها، على أن يتم «وقف جميع أعمال العنف فوراً» في صنعاء.
رغم الاتفاق الحاصل، والذي رعته دول الخليج وأمريكا، لكن الحوثيين سعوا للسيطرة على العاصمة، وحلّ الحكومة وإسقاط حكم «الإخوان» والسيطرة على المقار الأمنية والعسكرية بالاتفاق مع الجيش، وضرب الخط الذي يقوده علي محسن الأحمر الرجل القطري في اليمن، وأيضاً تخفيض الوزن السعودي متمثلاً بدور رئيس الجمهورية، حيث من المعروف أن الرئيس هادي منصور و«المؤتمر الشعبي العام» يميل للسعودية. حيث قال الرئيس هادي منصور إن بلاده تتجه نحو الحرب الأهلية، في تصريح يبدو كتهديد للحوثيين برفع مستوى الصراع، كما بدأت القنوات القطرية تروج لأن صعود الحوثيين سيستجلب خطراً على اليمن أكبر من خطر داعش في سورية!! .
الاتفاق الجديد يحمل تراجعاً أمريكياً
رغم أن سيطرة الحوثيين كلفت بحدود 200 قتيل، إلا أن الجيش التزم عدم التدخل، في انحياز لمطالب الجماهير اليمنية بإسقاط جرعة التقشف و«الإخوان»، كما دعا الحوثي الشعب إلى التحرك اتجاه ما يعانيه من ظلم وعدم الاتكاء على المواقف الخارجية، منوهاً أن حسابات القوى السياسية هي خارج اهتمامات وتطلعات الشعب اليمني. ووجه دعوته للشعب اليمني بالخروج «العظيم» للمطالبة بتحقيق مطالبه المشروعة المحددة، المتمثلة بإسقاط «الجرعة»، وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، التي قال إنها ظلت حبيسة الأدراج.
يصر الحوثيون على عدم صبغ الحراك عليهم، فهم في كل خطاب يصرون على وحدة الشعب حول المطالب الاقتصادية- الاجتماعية، وعدم التدخل الأجنبي بشؤون اليمن، فالمطلب الرئيسي هو إسقاط «الجرعة»، أي رفع الدعم عن المحروقات، ما يعني الوقوف في وجه السياسيات الاقتصادية الاجتماعية التي يفرضها الغرب والخليج على اليمنيين، كوسيلة استفزاز مقابل القروض. وبهذه السيطرة للحوثيين على صنعاء، وفرضهم لأنفسهم على المشهد اليمني، يبدو التراجع الأمريكي وحلفاؤه جلياً وواضحاً.