قمة دول بحر قزوين: تكثيف التنسيق الأوراسي

قمة دول بحر قزوين: تكثيف التنسيق الأوراسي

اختتمت أعمال القمة الرابعة لدول بحر قزوين في 29/سبتمبر، والتي أقيمت في أسترخان جنوب روسيا، بمشاركة كل من «روسيا، أذربيجان، إيران، كازاخستان، تركمانستان»، وعبَّر البيان الختامي للقمة عن الاتفاق حول الوضع القانوني لبحر قزوين، وجرى في أعقاب القمة توقيع خمس وثائق بينها ثلاث اتفاقيات للتعاون في مجالات مختلفة..

صرَّحت المشرفة على مشروع الاتحاد الأوراسي، تاتيانا فالوفايا، بأن الاتحاد الجمركي بين «روسيا وكازاخستان، وروسيا البيضاء» حقق نجاحاً هائلاً، بزيادة حجم التبادل التجاري إلى الضعفين، وارتكاز هذه التجارة على منتجات صناعية وهندسية، في مقابل التجارة التي ترتكز على الطاقة مع أوروبا، هذه التجربة المصغَّرة كنموذج اقتصادي تكاملي، أثارت اهتمام دول المنطقة الأوراسية، فاتحاً الأفق أمام صيغ تحالف جديدة، أعلنت عن نفسها بتوقيع اتفاقية الاتحاد الأوراسي في 29 أيار من العام الحالي، في إطار تثبيت وتوسيع العلاقات على قاعدة اقتصادية، بهدف تكامل 170 مليون إنسان.

أوراسيا: «مكمن تحدي السيادة الأمريكية»

رغم حديث الإعلام الغربي المستمر عن مخاوف «استعادة أمجاد الامبراطورية الروسية»، وهيمنتها على مقدرات الدول المحيطة بروسيا، فإن نتائج القمة الرابعة لدول بحر قزوين تثبت تقدم النموذج الاقتصادي الروسي في علاقاته مع هذه الدول، كبديل عن نموذج الهيمنة الأمريكية الغربية، السائد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والذي تميز بظهور دول جديدة في آسيا الوسطى، ما أعطى وجهاً جديداً للمنافسة على استخراج وتصدير موارد هذه المنطقة، تحديداً بعد تبني الإدارة الأمريكية مع بداية هذا العقد لمشروع الحريق من قزوين إلى المتوسط، ما تعمل عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها حالياً بشكل مركز في أوكرانيا والشرق الأوسط، والذي تظهر نتائجه أمام دول المنطقة الأوراسية، الرقعة الجغرافية الأغنى على مستوى الثروات الطبيعية في العالم، والتي تشكل مكمن التحدي السياسي الاقتصادي للسيادة الأمريكية على العالم، حسب رأي أحد مهندسي الاستراتيجية الأمريكية ومستشار الأمن القومي بين عامي 1977 و1981، زبغنيو بريجنسكي.

يعمل الرئيس بوتين على تبديد أي مخاوف عسكرية أو اقتصادية باعتماد البيان الختامي على أحد المبادئ الأساسية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وعدم نشر أي قوات عسكرية فيها سوى تلك التابعة للدول الخمس، والتأكيد على حل المشاكل بين الدول الأعضاء نفسها حصراً، بعد تسع سنوات انقضت على وصف بوتين لانهيار الاتحاد السوفييتي كأكبر كارثة جيوسياسية في تاريخ البشرية.

«التجميع مقابل التخندقات»

تبدو رقعة التحالفات الدولية التي تأخذ الطابع الاقتصادي القائم على الندية، سريعة التبلور في ظل ضرورات التنمية لهذه التحالفات، في الوقت الذي تتبنى فيه الإدارة الأمريكية خيار التفتيت، مستخدمة أكثر الأدوات فاشيةً في العصر الحديث، ما يستلزم رفع مستوى تنسيق القوى الصاعدة على المستويات السياسية والعسكرية، والتي لم تظهر حتى اليوم بشكل واضح، على الرغم من ظهور إشارات واضحة.

ومن هذه الإشارات ما عبَّر عنها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في معرض حديثه مؤخراً في قمة أسترخان: «ليس سراً أنه في منطقة بحر قزوين، اختراق نشط من قوى مسيطر عليها غربياً، وأن الغرب يشارك في شراء الانتخابات المحلية، وهدفهم النهائي فرض السيطرة على المنطقة، وإقامة ضغط على إيران وروسيا والصين، وعلى بقية العالم». فإن هذا التنسيق المتكامل الذي من شأنه تعزيز قدرة دول الأطراف والقوى الصاعدة على مستوى العالم، على تقليص النفوذ الأمريكي إلى حدوده القصوى، وفتح المجال أمام هذه الدول للبدء بتنمية مستدامة، تنعكس على المستوى المعيشي لشعوبها بعيداً عن سياسات التبعية التي سادت طوال العقدين الماضيين، كما تقوم على إيجاد صيغ بديلة للاتحاد والتكامل بين دول الجوار وشعوبها بدل التناحر الحدودي والفئوي داخلها.