النهوض الروسي يفرض: «روسيا/أمريكا» مجدداً
انطلاقاً من الطبيعة الأساسية للصراع الروسي مع الولايات المتحدة، فإن موسكو تسعى إلى تعزيز روابطها مع الدول غير الأوروبية، وتشكِّل مجموعة «البريكس» التي تضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا منطلقاً طبيعيا لذلك.
وضعت قمة «البريكس» الأخيرة في البرازيل الخطوة الأولى نحو خلق مؤسسات مالية مشتركة، حيث تتلقى روسيا بعض الدعم الأخلاقي من شركائها، وتعمل لتحسين علاقاتها مع دول في أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. ومع ذلك ستحتاج روسيا لكي تعزز روابطها مع الدول غير الغربية إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية بشكل ملحوظ معهم، وهي مهمة صعبة طويلة الأجل.
البلد الملاذ والتهديدات الرئيسية
تعدُّ الهند أولوية أساسية، يتبعها اتحاد دول جنوب شرق آسيا المعروف بآسيان. سياسياً وضعت روسيا نفسها في موقع البلد الملاذ لكل تلك الدول غير المنسجمة مع الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، تلك الدول التي تراقب المواجهة الروسية مع الولايات المتحدة باهتمام كبير، وتستخلص النتائج. إنهم ينظرون تحديداً إلى كيفية تمكن روسيا من الإفلات من تلك الهيمنة، وما التكلفة المتوقعة من تحمل ذلك.
إن الكرملين يتفهم بالطبع بأن التهديدات الأساسية الأكثر خطورة للأمن القومي الروسي تأتي من داخل البلاد، وقد حدَّد الرئيس بوتين في تصريحاته، بخصوص الأمن القومي الروسي، أولويات الكرملين وفق الترتيب التالي: تحسين العلاقات بين القوميات المختلفة عبر البلاد على اتساعها وتنوعها، وتقوية النظام الدستوري والاستقرار السياسي في روسيا، وتشجيع التطور الاجتماعي والاقتصادي مع اهتمام خاص بالمناطق المكشوفة والهشة في الاتحاد الروسي. إذ يبدو بوتين مقتنعاً بأن أية مشكلة جدية في أي من تلك المناطق من الممكن استغلالها من قبل الولايات المتحدة لتقويض السيادة الروسية وسلامة أراضيها.
تتطلب هذه القائمة المزيد من السيطرة الحكومية على الوضع الداخلي، وسياسة اقتصادية جديدة لإعادة التصنيع في روسيا، والتخفيف من اعتمادها على الغرب في المناطق الحساسة، كذلك إعادة تموضع حذر للموارد للتعامل مع مواطن العجز والضعف، وكسب المزيد من الحلفاء إلى جانب الحكومة من فئات مختلفة من المجتمع. كما تتطلب أيضا المزيد من الوعي الوطني للنخبة، وتنشئة وطنية للأجيال الشابة من الروسيين، وإلى درجة ما فإن الضغط الغربي يساعد جهود الكرملين في ذلك.
ارتفاع المواجهة:
الخصم القديم يستعدّ
فيما يتعلق بالأمن العسكري، فإن التهديدات الرئيسية لروسيا، من وجهة نظر بوتين، تأتي من البنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي، الذي يقترب أكثر من روسيا من خلال دفاعات الصواريخ البالستية للولايات المتحدة، والتي تبدو كما لو أنها موجهة مباشرة للتخفيف من قيمة الردع النووي الروسي، ومن استراتيجية الأنظمة غير النووية التي من الممكن أن تهاجم الأهداف الروسية بدقة عالية. هذا يتطلب مضاعفة روسيا لجهودها في مجال التحديث العسكري مع التأكيد على كل من القوى النووية والتي ينبغي أن تبقى ردعاً موثوقاً.
قد تكون هذه المنافسة مشوهة وغير متماثلة، والأرجح أنها ستكون قاسية وطويلة. العقوبات لن تجعل بوتين يتراجع، فهو يدرك أيضاً بأن تراجعه خطوة للوراء سيضاعف الضغوط عليه فقط. وبينما قد تضطر النخبة الروسية للخضوع لتحولات جوهرية، وتغير في حركة العمالة كنتيجة لتزايد العزلة عن الغرب، إلا أن الشعب الروسي يبدي قابلية على نطاق واسع، لتنامي الحالة الوطنية تحت الضغط الخارجي، وخاصة إذا ما ضغط بوتين بشكل أقسى على الفساد الإداري والتعسف البيروقراطي.
من السابق لأوانه التنبؤ بكيفية نهاية هذا النزاع، فالأثمان باهظة للغاية. إن أي تنازل خطير من قبل بوتين سيقوده إلى فقدان القوة في روسيا، والذي من المحتمل أن يودي بالبلاد إلى فوضى عارمة، وأي تنازل خطير من قبل الولايات المتحدة في سعيها لتكييف روسيا، سيعني تراجعاً واضحاً للنفوذ العالمي للولايات المتحدة، مع ما سيتبع ذلك من نتائج في كل من آسيا والشرق الأوسط وغيرها من الأماكن. ومن سخرية القدر، فإن التحدي من أجل القوة المهيمنة عالمياً في الوقت الحالي لم يأت من لاعب ناشئ، وإنما من خصم قديم، كان المعتقد ولفترة طويلة أنه قد انتهى. أما الصين فلم تكن تأمل حتى بمساعدة من هذا النوع.
*عن موقع «National interest» بتصرف