تركيا: تصاعد الحركة الاحتجاجية
أطلقت القوات التركية، الأربعاء 4/6/2014، القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه على محتجين أكراد على خطط بناء ثكنات عسكرية جنوب شرقي البلاد، كما استمرت الصدامات بين الشرطة التركية والمتظاهرين المحتجين على مقتل أكثر من 300 عامل في منجم «سوما» للأسبوع الثاني، وخصوصاً بعد انتشار معلومات مؤكدة عن معرفة الحكومة بإمكانية حدوث هكذا انفجار في هذا المنجم منذ 2010، وفق تقرير مقدّم من «مجلس المعماريين والمهندسين» للحكومة التركية.
وقد شهدت تركيا عموماً، وبخاصة «اسطنبول»، تظاهرات ساخطة بعد مقتل العمال في منجم «سوما»، وما زاد حدة المواجهات مع القوات الأمنية مقتل أربعة أشخاص وإصابة أكثر من 500 متظاهر ما لا يقل عن 60 منهم إصابات خطيرة، هذا منذ منتصف الشهر الفائت أيار 2014 فقط. وأيضاً دخلت منطقة «أوكميداني» في خضم هذه المواجهات، وهي المنطقة الواقعة في قلب اسطنبول والتي تغص بالمساكن العمّالية والشرائح الوسطى والفقيرة، والأسبوع الفائت باتت هذه المنطقة هي مركز الحدث بعد مقتل رجل ثلاثيني لا علاقة له بالتظاهرات الناشبة، لكنه أصيب برصاص طائش بسبب كثافة النيران المطلقة في الهواء.
تطور التحرك الشعبي
هذه الأحداث هي عملياً استمرار للسخط الشعبي الذي تشهده تركيا منذ 2011 عملياً، إذ لم يمر شهر واحد منذ نهاية 2011 ولم تشهد فيه اسطنبول تحديداً، مظاهرات ضد سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية.
في بداية الاحتجاج الشعبي تركّزت المطالب حول قضايا تتعلق بالحريات العامة، وسياسات حزب العدالة والتنمية وتوجهاته لأسلمة الحكومة وقوانين الدولة. لكن مع منتصف 2012 باتت الشعارات أكثر جذرية، فكانت المظاهرات والتحركات ضد التدخل التركي في الأزمة السورية، وعمليات الخصخصة للقطاع المصرفي الحكومي ولجزء واسع من القطّاع الصحي، إضافة طبعاً للصدامات الواسعة، وسقوط جرحى وضحايا، وحملات الاعتقالات، وتصريحات الحكومة المستمرة بأن كل تلك التظاهرات هي نتيجة لتلاعب إقليمي، وهو ما كان يعيد تأجيج الاحتجاجات والصدامات مع قوات الأمن على طول عام 2012.
التحوّل والتجذّر في الحركة الشعبية
مع بداية 2013 جاء المنعطف الكبير في سلسلة الاحتجاج الشعبي، قضية «حديقة غيزي» في ميدان «تقسيم»، وهي ذات الإرث الوطني للشعب التركي والتي كانت الحكومة التركية تنوي إزالتها وإلغاء احتفلات تقسيم السنوية الوطنية لبناء مجمع تجاري مكانها بحجة العوائد العالية من هذا المشروع.
وإثر ذلك باتت التظاهرات أكثر حدة مع انضمام فئات واسعة شعبية استشعرت توجهات لاوطنية لدى حكومة العدالة والتنمية، ورُفعت شعارت أكثر جذرية تناهض التقارب التركي الأوروبي، وتتطالب برفع مستويات المعيشة ومحاربة البطالة المتفجرة بعد زهوة فقاعة النمو التي شهدتها تركيا بين 2008 و2011، وبدأت مظاهرات مناهضة للعولمة والسياسات الليبرالية بالظهور بشكل أكبر، وشملت قطاعاً أوسع بكثير من الأحزاب والقوى اليسارية وفئات المثقفين، واندمجت هذه المرة الهموم الوطنية الواضحة والمباشرة مع تلك الأكثر عمقاً في الشأن الاقتصادي الاجتماعي، ومازاد الطين بلّة بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية هو عقلية رئيس الوزراء «إردوغان» الذي وصف المتظاهرين بالمتآمرين والخونة، وصرّح بان «هذه مجرد تظاهرات عشوائية مدفوعة لا يمكن أن تخيفنا»، ما دفع المتظاهرين لرفع شعار: «إنها مجرد انتفاضة، ليست ثورة بعد!» للتذكير بما قاله الملك الفرنسي «لويس السادس عشر» لمستشاره قبل أسابيع من اقتحام قصر فيرساي إبان الثورة الفرنسية.
واليوم، مع قضية انفجار المنجم، ومقتل العمال بداخله، تأخذ التظاهرات منحنىً أعمق بسبب استشعار الطبقة العاملة الاستهداف المباشر لها، من خلال التآمر الحاصل بين الحكومة والشركة المستثمرة، بعدم مواجهة الخطر المعلن منذ 2010، ودفع العمّال إلى الموت مجاناً.