الانتخابات العراقية ترسِّخ نظام المحاصصة!
قدمت الأيام الأخيرة، التي شهدت رواجاً للدعاية الانتخابية، صورةً مفضوحة عن مدى انحطاط الخطاب الانتخابي للكتل السياسية الثلاث الحاكمة، وسط نزيف الدم العراق. إذ كان لتفككها الداخلي دورا تصعيديً في خطابها التفتيتي,إلى حد تجاوز فيه كل الاعتبارات الوطنية والأخلاقية حتى بدا وكأنه خطاب اعلان تقسيم العراق.
كما جاء التركيز على شخصنة الصراع لمستوياتٍ عبَّرت عن الاستخفاف بوعي الشعب العراقي وتاريخه الوطني, عندما شخصن هذا الخطاب المعركة الانتخابية، وجعلها تدور برمتها حول شخص نوري المالكي، وتهديد الشعب من أن فوزه يعني ضياع العراق وتمزقه إلى دويلات.
كانت معركة دعائية حامية الوطيس، خاضتها أجهزةٌ إعلامية ذات تمويل ضخم (50 فضائية، و60 صحيفة، ومئات المواقع الإلكترونية، ناهيكم عن الإعلام العربي والدولي). ومن اللافت هذه المرة، هو الموقف الحازم الذي أجمعت عليه المرجعيات الدينية، حين نأت بنفسها عن جميع القوائم والكتل المتنافسة، في خطاب الجمعة المكرَّر بكل المفردات، والذي توج بالقول: «إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من جميع القوائم المتنافسة، ولا تدعم قائمة بعينها، ومن يقول غير ذلك إما مخطئ أو كاذب... وبإشارة من اليد عنت، أو مختل عقلياً».
علماً أن إحدى الفضائيات الرئيسية، على سبيل المثال لا الحصر، قد كرَّست برامجها اليومية في حملة منظمة لإسقاط نوري المالكي، وطرحت خطاباً «وطنياً» مزيفاً سقط عشية الانتخابات، عندما جيرت تصريح لإحدى المرجعيات الثانوية في النجف يدعو فيه صراحة، وفي مشهد تمثيلي بائس، إلى إسقاط المالكي وانتخاب عمار الحكيم.
لقد أثبتت «ديمقراطية» الدبابة الأمريكية، بعد مرور عقد من الزمن، بكل منتجات تلك «الديمقراطية» (مجلس حكم طائفي اثني- قانون إدارة الدولة الاستعماري- دستور ملغم بقنابل طائفية- غياب قانون الأحزاب- قانون انتخابي غير عادل) بأنها ستفضي إلى انتخاباتٍ في إطار البيت الحاكم، لضمان تبعية العراق للإمبريالية الأمريكية، ومواصلة نهب ثرواته وتجويع شعبه.
«ديمقراطية حيتان الفساد» التي لا تسمح بدخول قوى سياسية منافسة، تعبِّر عن برنامج طبقي ووطني قادر على تقديم الحلول السياسية والاقتصادية- الاجتماعية, برنامج يفضي بالمحصلة إلى إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية, المتصالحة مع جيرانها، والمتضامنة مع قضايا الشعوب العربية المشروعة, القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية.
من هنا كان موقف اليسار العراقي واضحاً وحازماً، سواءً أكان على المستوى المعرفي والتاريخي، أو التكتيكي والاستراتيجي. فقبل ثماني سنوات، وتحديداً في انتخابات عام 2005 التي جرت تحت الاحتلال، أعلن اليسار العراقي، ورغم عدم مشاركته في الانتخابات، موقفاً سياسياً متميزاً، دعا فيه العراقيين إلى المشاركة في الانتخابات، كشكل من أشكال النضال السياسي المناهض للاحتلال الإمبريالي الأمريكي، بانتخاب القوائم والشخصيات الوطنية الديمقراطية من أجل تشكيل «كتلة شعبية في البرلمان»، وفند الفكرة الداعية إلى مقاطعة العملية السياسية برمتها، دون تمييز بين ما هو كفاح سياسي جماهيري وصفقات مع المحتل وأذنابه. هذه الفكرة التي روج لها الذين اختاروا البقاء في المهجر الأوروبي الناعم، والمتاجرة بمواقف «ثورية» فارغة، تغلف وتبرر تخليهم عن النضال، ليقدموا بذلك خدمة مجانية للتحالف الإمبريالي.
وميز اليسار العراقي في الموقف من الانتخابات ومشاركته فيها تمييزاً واضحاً لا لبس فيه, إذ فصل بين حقه في رفضه خوض الانتخابات، كتيار سياسي تمتد جذوره عميقاً في المجتمع والأرض، وقدم على هذا الدرب قوافل الشهداء قادة وقواعد، وبين حق الشعب العراقي في خوضها وقول كلمته فيها.
إن النتائج الأولية المسربة لانتخابات 2014، لا شك ستعيد إنتاج النظام الفاسد نفسه التابع وأزماته في الصراع على المحاصصة الطائفية الاثنية. أما الجديد فيها, فهو فتح باب الصراع بين الشعب والطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة على مصراعيه باتجاه الثورة الشعبية، طريقاً لتحقيق آماله في الحياة الحرة الكريمة.
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي