أوكرانيا: بين الاتحاد السوفياتي ولعنة الإمبريالية
بعد محادثات جنيف حول الأزمة الأوكرانية، أكّد وزير الخارجية الأمريكي أن حكومة كييف التي جاءت، بعد إسقاط الرئيس، التزمت كلياً بتعهدات اتفاقية جنيف، وبدأت بالإفراج عن المعتقلين، وإفراغ الأبنية السكنية والحكومية المحتلة من مسلحين ملثمين متعصبين، ومنذ اليوم الأول، تخلت الحكومة الأوكرانية عن حملة «مكافحة الإرهاب» التي تشنّها في الجنوب والشرق، حيث الأغلبية من القومية الروسية..!
يكذّب «ستيفن ليندمان»* كل ما يقوله «كيري» عن «اليوم الأول» بعد اتفاق جنيف حول الأزمة الأوكرانية، فلا إجراءات للحد من المظاهر المسلحة، بل على العكس، كانت أعداد من المسلحين الملثمين تذهب باستمرار باتجاه شرق أوكرانيا. وتم خرق بنود اتفاقية جنيف كاملة، ومازالت الأبنية الحكومية في كييف محتلة. وأكثر من ذلك، تم استبدال فرق الشرطة بفرق من المسلحين الملثمين، الذين يستمرون بارتكاب جرائم القتل والفوضى في كييف خصوصاً ومدن أوكرانيا عامة.
ويعلن الدبلوماسيون الغربيون، بتفاخر، أنهم دعموا «الحركات الديموقراطية» في أوكرانيا، لمساعدتهم على التخلص من «الحكم الدكتاتوري»، بأكثر من 5 مليارات دولار منذ بداية عام 2013، إضافة إلى كل المنظمات غير الحكومية «NGOs» التي تم تأسيسها بدعم أوربي-أمريكي، والتي قادت الثورة الملوّنة في أوكرانيا منذ البداية.
ما لن يقوله الإعلام الغربي..!
بين مدينة «أوديسا» في الجنوب ومدينة «خاركوف» في الشرق، تمتد مراكز التصنيع ومناجم الفحم. وهناك في الريف الجنوبي الشرقي لأوكرانيا، تمتد الحقول الشاسعة التي كانت تعرف بـ«سلة الخبز» للاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي اليوم مهجورة بمعظمها، ويستمر بعضها بالإنتاج وفق عقود خانقة مع شركات تسويق وتصدير خاصة أو أوروبية.
يذكر «أندري فلتشك»** في جولته من «أوديسا» إلى «خاركوف» لقاءه مع أحد الصحفيين المحليين في موقع «LIVA.com»، ويقول الأخير: «لا أحد يعلم حقاً ما يتم إنتاجه هنا، انسى أمر الصناعة الثقيلة والإنتاج المتقدم، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي باتت أوكرانيا بشكل أساسي بلداً للسياحة والدعارة. حتى الطرقات، لم يتم شق طرقات جديدة بين الشرق والجنوب الشرقي إلا في عهد الاتحاد السوفياتي، في العقود الماضية تم تزيين تلك الطرقات فقط. أمّا المناجم، فهي قبور مفتوحة، لا الأجور تكفي ولا التعويضات، وفوق ذلك هي مؤجرّة وفق عقود جائرة بحق سكّان هذه المناطق العاملين فيها..».
لا بد من ذكر أن أغلبية الـ 44 مليون نسمة من سكّان أوكرانيا يعيشون في هذا الريف، والناس هناك يتحدثون الروسية، ويتنقلون بين روسيا و أوكرانيا بتواتر عال بغض النظر عن القومية..!
روسيا ليست عدوتنا..!
«يفغينيا تشرنوفا» امرأة خمسينية من إحدى قرى الريف الجنوبي الشرقي، تقول لـ «أندري فلتشك»: «من أوديسا وحتى خاركوف يتم اعتقال كل من يتحدث الروسية وينقل إلى كييف، ويسمونها ثورة لأجل حريّة التعبير. اللافتات تملأ أوديسا بمقولة (الناس ليسوا ماشية). أنا أوكرانية الأصل، وأقول لك روسيا ليست عدوتنا، هي دولة عظيمة وحليفنا التاريخي ولطالما مدّت يد العون لنا».
في ريف أوكرانيا من الجنوب إلى الشرق، بين مدن «أوديسا» و«خاركوف» ينحدر وسطي دخل الأسرة إلى 80-120 دولار شهرياً.. وهناك حيث المساحات الشاسعة التي كانت تغص بمختلف أنواع الزراعة والإنتاج الصناعي والمناجم، يعرف الناس الفرق جيداً بين ما كانت الحال عليه، وما فعله الغرب بحياتهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، هناك القضية ليست بين قومية روسية وأوكرانية، فالجميع هناك من فقراء الفلاحين والعمّال، القضية أوضح وأبسط، المنهوبون يرفضون الاستمرار في الرضوخ، خصوصاً بعد ما آلت إليه الأمور في كييف من انقلاب معلن من عصابات فاشية يمينية تابعة للغرب بكل وضوح وعلنية.
*ستيفن ليندمان: كاتب وصحفي أمريكي، له عدة برامج إذاعية بتوجهات معادية لليبرالية.
**أندري فلتشك: روائي ومسرحي وصحفي ومصور حربي روسي. غطى العديد من الحروب والنزاعات في العالم. يعمل حالياً في آسيا وأفريقيا.