حول استعادة عناصر الأمن القومي المصري

حول استعادة عناصر الأمن القومي المصري

ترتكز برامج مرشحي الرئاسة المصرية على أولوية تثبيت الأمن القومي المصري, بالتوازي مع ورشات عمل مكثفة لقوى سياسية واجتماعية تعيد إحياء المفهوم الغائب, والذي شهد تداوله تراجعاً بالتزامن مع حالة الميزان الدولي خلال العقدين الأخيرين، الحالة التي توَّجت مصرياً باتفاقية «كامب ديفيد».

إشارات التحول بدأت..

سابقاً، اقتصرت عناصر الأمن القومي المصري على ضبط الحدود، وجاهزية الجيش المصري لرد أي اعتداء على الأراضي المصرية. تلك الصيغة التي درج ترويجها بعد فترة الحكم الناصري، كتعبير عن الانكفاء التدريجي للدور الإقليمي لمصر، كأحد حقول التأثير المركزي في المنطقة, ما فتح المجال واسعاً أمام نشوء مراكز قرار تعمل على إرهاق مصر نفسها.
عاملان متوازيان أعادا ملف الأمن القومي إلى التداول على أعلى مستوى. الأول، يرتكز على تغيرات المشهد الدولي وانعكاساته على مصر, والتي في مقدمتها خروج مصر ولو جزئياً من تحت العباءة الأمريكية صراحةً, سواءً لتتالي سقوط حلفائها (مبارك) وبدلائها «الإخوان المسلمين»، أو عبر إعادة الاتصال بين مصر وروسيا سياسياً وعسكرياً.
أما العامل الثاني فهو مرتبط بالوضع الداخلي, الذي يحمل تراكمات حقبة طويلة من المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية, ما وضع أمام المصريين مهمة مصيرية متمثلة في الشروع بتصحيح المسار داخلياً, وإبعاد البلاد عن شبح العنف، كنتيجة لعمق التناقضات داخل المجتمع المصري, والبداية كانت بإبعاد «الإخوان المسلمين» عن السلطة، بعد تنامي الشعور الوطني بخطورة السياسات المتبعة في مرحلة حكم «الإخوان»، خصوصاً في قضيتين راهنتين هما الموقف المصري من الأزمة السورية, ومشروع سد النهضة الأثيوبي.

معركة رابحة لمصر ضد «إسرائيل»!

أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاقية «كامب ديفيد», تلازمت سياسات الخضوع آنذاك بسياسات مدمرة اقتصادياً-اجتماعياً وديمقراطياً, ليصبح الموقف من القضية الوطنية منها ناظماً لباقي القضايا العالقة.
إن الأحداث الأخيرة، المرتبطة بمشروع سد النهضة، أعطت إشارات التحول الأولى في ملفات الأمن القومي المصري بمحدده الخارجي, بعد جهدٍ دبلوماسي نجحت على إثره مصر في استصدار قرار روسي صيني أوروبي يقضي بوقف تمويل سد النهضة, بعد سنوات من المفاوضات العبثية مع دولة يقف وراءها الكيان الصهيوني بشكلٍ مباشر، وكداعم أساسي للمشروع.
وهنا يبدو الصدام الأول الرابح وغير المباشر بين مصر والكيان الصهيوني، بعد توقيع الاتفاقية المشؤومة, ليفتح إمكانية الانتصارات الجزئية المتعلقة بقضية الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، والغاز المصري المصدّر إلى «إسرائيل», كقضايا تقوّض «كامب ديفيد» في اتجاه إنهائها، عبر الاستفادة من العامل الدولي المساعد، والحركة الشعبية الضاغطة نحو حلول  أكثر جذرية تخرج مصر من النفق المظلم لتستعيد دورها الإقليمي في المنطقة.