الأزمات الاقتصادية الأمريكية متواصلة انهيار مالي واقتصادي بعد صعود الدين الفيدرالي إلى 14.3 تريليون دولار
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة أن تخرج من أزماتها الاقتصادية المتلاحقة والمتواصلة بأقل الخسائر الممكنة، وذلك بعد أن وصل الدين العام الأمريكي لأرقام خيالية لم يعد إخفاؤه صالحاً أو ممكناً في ظل العقلية التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع هذه الأزمات وخاصة الأخيرة منها، وبالتالي وكما توقعنا منذ بدايتها حيث لم يعد ممكناً الخروج منها إلا بافتعال الأزمات والحروب متعددة الألوان في القارات الخمس، لأجل تصدير أزمتها هي إلى كل أنحاء المعمورة، وخاصة إلى مناطق النفوذ التابعة لها، وهذا ما يتطلب موافقة قادة مجلسي الشيوخ والنواب على عدم حرمان إدارة الرئيس باراك أوباما من إمكانية الاقتراض محلياً وخارجياً لتمويل عجز الموازنة المالية الأمريكية الضخمة، في ظل تحذيرات واضحة أطلقها وزير الخزانة تيموثي غيثنر، من أن فشل الكونغرس في رفع سقف الدين الفيدرالي قريباً «سيكون له آثار مالية اقتصادية كارثية» على الاقتصاد الأمريكي الذي بات يهدد الجدارة الائتمانية السيادية للولايات المتحدة.
ولم تقف التحذيرات عند هذا الحد من حدوث الانهيارات الكبيرة بل حذّرت من أنها مقبلة على استنفاد تفويضها الحالي الذي يقفز بالدين الفيدرالي إلى 14.3 تريليون دولار، ما يعادل القيمة الإجمالية الحالية للناتج المحلي الأميركي، في موعد قريب.
وقال غيثنر أن النتائج الكارثية المتوقعة والمترتبة على فشل الكونغرس في إصدار تفويض رفع سقف الدين الفيدرالي ستؤثر على عدد لا بأس به من القطاعات الأخرى أي «تفجير أزمة مالية ثانية، وإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى هاوية الركود، ورفع كلفة الاقتراض العقاري والنشاط الائتماني عموماً، ما من شأنه أن يدمّر المدخرات التقاعدية للمواطنين، وأن يفاقم من أزمة قطاع السكن ويؤثر سلباً ليس على الدولار فحسب بل على ميزة الملاذ الآمن التي تحظى بها الصكوك السيادية (الأمريكية) وسندات الخزانة الأخرى».
لكن ما لم تتوقعه الرؤوس الكبيرة في الإدارة الأمريكية هو الاعتراض الذي قدمه رئيس مجلس النواب على رفع الدين بموافقة 70% من الجمهوريين، ليأتي بمثابة تحذير شديد، مضاداً ومنبهاً، إلى أن رد فعل الأسواق سيكون أشد خطورة في حال فشلت واشنطن في السيطرة على الإنفاق.
والاهم من كل هذا هو أن التهديد بالكارثة المالية الاقتصادية التي حذر منها وزير الخزانة يقارب ما يزيد على 11 تريليون دولار من الأموال الأجنبية المستثمرة في الأصول المالية الأمريكية، موزعة على الصكوك السيادية وسندات الشركات وأسهمها، فضلاً عن نحو 10 تريليونات من رؤوس الأموال الأجنبية الإضافية. كما أن الصكوك السيادية التي تنفرد بأكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية في الأصول المالية الأمريكية ذات الأدوار متعددة الأغراض، تقدر بـ35%، وهي لا توفر للعشرات من البلدان الناشطة في التصدير إلى السوق الأمريكية وسيلة تتمتع بدرجة عالية من الأمان والسيولة لاستثمار فوائضها التجارية رغم أنها تساهم في 60% من متطلبات تمويل العجز المالي الفيدرالي، مانحة رأس المال الأمريكي المحلي بذلك فرصة يُحسد عليها لتمويل نشاط الشركات الأمريكية محلياً وخارجياً.
لكن اللافت أنه وعلى الرغم من كل هذه الأرقام فإن وزير الخزانة لم يحاول التخفيف من الأثر المدمر لاحتمال إفلاس الحكومة، على جاذبية الأصول المالية الأمريكية لرأس المال الأجنبي.
وليس هذا فحسب بل كشفت وزارة الخزانة، أن رصيد الاستثمارات الأجنبية في السندات والأسهم الأمريكية سجل زيادة قياسية بلغت نحو تريليوني دولار في 12 شهراً حتى منتصف عام 2007، لكنه انخفض بنحو 700 بليون مع انفجار أزمة المال وانكماش الاقتصاد الأمريكي في الفترة التالية ولم يتعافَ، مرتفعاً بنحو 900 بليون، إلا بعد انحسار الأزمة المالية والاقتصادية في الشهور الـ 12 المنتهية منتصف عام 2010.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل الإدارة الأمريكية قادرة على حل مشاكلها من الداخل الأمريكي، قبل أن تتدخل وبشكل سافر في سيادة الدول المستقلة تحت حجة الديمقراطية المجهزة على النمط الأمريكي، وذلك بتصدير الأزمات والحروب إلى دول الجنوب الفقير؟
دروس التاريخ كثيرة ومتعددة ولعل هذا درس مهم للدول العربية التي عليها معرفة أهداف الأمريكيين ومآربهم قبل أن يدخل «الكاوبوي» إلى عقر دارهم بحججه وأسبابه الواهية، وفي ذلك كل الضمانة للاستقرار والحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال الوطني رغماً عن أنف الأمريكيين وسياساتهم وحروبهم وخططهم الشيطانية؟!