ضمن «التطهير العرقي» على مدى عقود.. سلطات الاحتلال سحبت عشرات آلاف الهويات الفلسطينية
كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن لجوء سلطات الاحتلال إلى إجراءات سرية خلال العقود الماضية بهدف حرمان عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية من حق الإقامة في وطنهم.
وذكرت الصحيفة في عددها الصادر يوم الأربعاء أن «وزارة القضاء الإسرائيلية» أقرت بوثيقة جديدة حصلت عليها الصحيفة- والتي كتبها ما يعرف بمكتب الضفة الغربية التابع للوزارة- بطلب من «مركز الدفاع عن الفرد» تحت ما يسمى قانون حرية المعلومات.
وقالت الصحيفة إن «الوثيقة تنص على أن الإجراء تم تطبيقه على الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية والذين سافروا إلى الخارج خلال الفترة الواقعة بين عامي 1967 و1994، أي منذ احتلال الضفة الغربية وحتى توقيع اتفاقية أوسلو، حيث كان يتم توجيه أوامر للفلسطينيين الذين يرغبون في السفر إلى الخارج عبر الأردن بترك هوياتهم عند حدود معبر جسر اللنبي».
وأوضحت أنه كان يتم لاحقاً تبديل هويات الإقامة لهؤلاء الأفراد ببطاقات تسمح لهم فقط بالعبور، والتي تنتهي صلاحيتها بعد ثلاث سنوات، ويمكن تجديدها ثلاث مرات يتم في كل مرة تمديدها إلى سنة إضافية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه كان يسمح لهؤلاء الفلسطينيين بالعودة في غضون ستة أشهر من تاريخ انتهاء صلاحية البطاقة، أو التقدم بالطعن أمام لجنة الإعفاء. أما الذين لا يرجعون خلال فترة الأشهر الستة فيتم إرسال وثائقهم إلى «مشرف التعداد الإقليمي»، ومن لم يعد منهم في الوقت المحدد يتم تسجيله من فئة «لم يعد من السكان».
ولفتت النظر إلى أن الوثيقة لم تشر إلى تلقي الفلسطينيين أي تحذير أو معلومات عن تلك الإجراءات التي تجرّد بصورة غير معلنة حق إقامة الفلسطينيين في وطنهم.
ونقلت «هآرتس» عن مركز «الدفاع عن الفرد» قوله إنه كان يعلم بوجود إجراء واضح متبع، مشيراً إلى أن عدد الفلسطينيين الذين حرموا من حقهم في العودة والتفاصيل عن حالاتهم بقيت معلومات سرية.
كما أفادت بأن «المنسق الحكومي» للأنشطة في الأراضي المحتلة بين عامي 1991 و1995 وهو اللواء داني روثشيلد، أنكر علمه بهذا الإجراء «حتى لو كان سارياً خلال فترة تسلمه لهذا المنصب».
وذكرت الصحيفة أن بيانات مكتب الإحصاء المركزي تشير إلى أن عدد سكان الضفة الغربية ناهز 1.05 مليون عام 1994، مما يعني أنه لو لم تطبق الإجراءات لكان عدد السكان هناك يزيد في الوقت الراهن بمقدار 14% عن الأرقام الحالية.
كما لفتت النظر إلى أن إجراء مماثلاً يتم تطبيقه حتى اليوم على الفلسطينيين من المقيمين في القدس الشرقية والذين يحملون «هويات إسرائيلية»، إذ إنهم يفقدون حقهم في العودة إلى البلاد إذا ما تغيبوا في الخارج لسبع سنوات.
وقالت الصحيفة إن الذين فقدوا حق العودة إلى البلاد هم طلبة تخرجوا من جامعة في الخارج، أو رجال أعمال وموظفون سافروا للعمل في منطقة الخليج العربي، والعديد من هؤلاء لديهم الآن أسر، مشيرة إلى أنه باحتساب أعداد من حرموا من العودة بسبب هذا الإجراء الذي يشمل أبناءهم وأحفادهم، فإن العدد الكلي قد يصل الآن إلى مئات الآلاف، حتى بعد استثناء من توفوا منهم.
غير أن الصحيفة الإسرائيلية زعمت أن بضعة آلاف من الفلسطينيين ممن يمتلكون صلات وثيقة بالسلطة الفلسطينية سُمح لهم بالعودة، إلى جانب عدد من الحالات التي حصلت على تأييد مما يسمى باللجنة المشتركة لإعادة الهويات الفلسطينية، في حين أشارت إلى أن الذين لا يزالون مسجلين ضمن فئة «لم يعد من السكان» يصل إلى 130 ألف شخص.
وأوضحت أن كشف المركز عن تلك المعلومات كان «محض صدفة»، وذلك لدى التدقيق في حالة فلسطيني مسجون لدى سلطات الاحتلال من أبناء الضفة الغربية، والذي أبلغت عائلته من قبل الإدارة المدنية بأن هويته الشخصية غير فعالة.
وقالت الصحيفة إن العائلة تقدمت «بطلب توضيح»، وقد أشار «المستشار القضائي الإسرائيلي» إلى وجود «سوء تطبيق لسياسة محددة من قبل مشرف التعداد في الأراضي المحتلة آنذاك»، كما أفاد بوجود ثلاث حالات لسجناء فلسطينيين تم تسجيلهم ضمن فئة غير المقيمين بسبب وجودهم في السجن أو الحجز والذين قال إنهم استعادوا هوياتهم لاحقاً، إلا أنه عزا السبب إلى وجود «خطأ تقني» وليس بسبب سياسة ما، ودون الربط بموضوع مسألة الحبس.
واعتبر مركز «الدفاع عن الفرد» سحب حقوق الإقامة بشكل جماعي من عشرات الآلاف من الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية- وهو يعد بمثابة نفي دائم من وطنهم- لا يزال سياسة ديمغرافية غير شرعية تشكل انتهاكاً خطيرا للقانون الدولي.
ولفت الانتباه إلى أن عدد الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الذين فقدوا حقوق الإقامة بطرق مشابهة بقي سراً، وشدد على ضرورة قيام سلطات الاحتلال بما اكتفى بوصفه «تصحيح الأخطاء الجارية في الحال وإعادة حقوق الإقامة لجميع الفلسطينيين المتأثرين والسماح لهم ولعائلاتهم بالعودة إلى وطنهم».