الأول من أيار في العالم

الأول من أيار في العالم

تحتفل النقابات العمالية بعيد العمال منذ أكثر من مئة عام في مطلع مايو/ أيار في جميع أنحاء العالم إحياء لذكرى العشرات من العمال الذين قتلتهم شرطة شيكاغو الأمريكية أثناء إضراب عام نظمه عمال المدينة في عام 1886 للمطالبة بحد أقصى لعدد ساعات اليوم الواحد لا يزيد عن ثماني ساعات.

وكما هي العادة فقد شهد الأول من أيار مسيرات احتجاجية في مختلف دول العالم إحياء لعيد العمال العالمي، حيث تظاهر الآلاف وسط إجراءات أمنية مشددة سجلت بعضها مواجهات وحوادث في بعض العواصم الأوربية.

ففي برلين قامت النقابات العمالية في ألمانيا بتنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وحسب رابطة نقابات العمال بألمانيا «دي جي بي» فإن عدد المسيرات التي تم تنظيمها هذا العام فاق مثيله في العام الماضي حيث قدر بنحو 500 مسيرة حملت شعاراً واحداً «أجور عادلة، عمل جيد، تأمين اجتماعي، هذا أقل ما يمكن»، بالإضافة إلى مطالبة الرابطة بوضع حد أدنى للأجور بقيمة 8.5 يورو للساعة، وتساوي الأجر بين العامل الأساسي والمنتدب في حال كانت طبيعة العمل واحدة، والنضال من اجل إلغاء قانون التقاعد في سن الـ67، وتعتبر مواجهات يوم الأول من مايو تقليدية بألمانيا وخاصة في مدينة برلين.

وشهدت مدينة اسطنبول التركية تظاهرة ضخمة بمناسبة عيد العمال وصل عدد المشاركين فيها إلى نحو 200 ألف شخص طالبوا بتوفير ظروف عمل أفضل، ورفع أجور العاملين. وشاركت في التظاهرة التي جرت في ميدان تقسيم بالمدينة نقابات عمالية وتجمعات سياسية.

وفي المقابل نشرت الشرطة التركية نحو 40 ألف عنصر لإغلاق الشوارع في قلب المدينة، ورغم ذلك لم تقع مصادمات كبيرة كما كان الحال في سنوات سابقة.

أما في اليونان فقد تمثلت الاحتفالات فيها بتنظيم مظاهرات ضخمة دعت إليها نقابات العمال والموظفين، احتجاجاً على إجراءات التقشف الجديدة التي من المتوقع أن تقرها الحكومة خلال أيام، في ظل زيادة نسبة البطالة في البلاد، والتي سجلت 15%، كما ارتفعت نسبة تسريحات العمال بـ8.56 % مقارنة بالعام الماضي بعد دخولها أزمة اقتصادية خانقة.

ونظمت النقابات المظاهرات بهذه المناسبة للمطالبة بإنهاء أنظمة العمل المرنة، التي تعني في نظرهم رواتب منخفضة، من أجل حماية ما يسمى بالاتفاقات الجماعية، وهي اتفاقات بين أرباب العمل والنقابات، وتعويض الخسائر التي تكبدها العاملون بسبب انخفاض الرواتب خلال الأعوام الماضية، ووضع نهاية للتعديلات التي يشهدها نظام الرعاية الاجتماعي. وقد انتقدت نقابات العمال هذه الإجراءات التي تعتبر غير مسبوقة في هذا البلد منذ حدوث الأزمة والتنديد بالشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لمساعدة اليونان على الخروج من أزمته المالية.

أما في روسيا فشارك عشرات الآلاف من الشيوعيين الروس والقوميين ومؤيدي الحزب الحاكم في تجمعات حاشدة في أنحاء موسكو احتفاء بعيد العمال، وخرجت حشود كبيرة اغلبها من المتقاعدين في مسيرات في أنحاء العاصمة المختلفة، مطالبين بالرخاء الذي كانوا يعيشونه في السابق وإعادة حقوقهم المهدورة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

وفي فرنسا المعروفة بقوة وحجم النقابات والإضرابات فيها، نظمت تظاهرات في المدن الكبرى بدعوة من النقابات للضغط على الحكومة من أجل الاتجاه لاعتماد إصلاح نظام التقاعد فيما لم يعرف نسبة المشاركة الحقيقية في الاحتفالات والمظاهرات.

وفي حالة لم يألفها الشعب المصري منذ عقود، وجو من حراك اقتصادي وسياسي ومجتمعي حر وديمقراطي، اتسم بالطموح والشفافية، احتفل عمال مصر بأول عيد لهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، التي رفعت منذ اليوم الأول من قيامها شعارات «عدالة.. حرية.. كرامة إنسانية».

واعتبر المصريون أن العيد في هذا العام استعاد بقوة ذاكرة الأغاني الوطنية التي صعدت في نهاية الخمسينات في ظل ثورة 1952، واحتفت بالعمال وتغنت بسواعدهم في بناء نهضة مصر، ليس هذا فقط بل ولأول مرة غاب عنه الخطاب التقليدي «الشهير» لرئيس الجمهورية الذي اعتاد أن يلقيه أمام حشد كبير من عمال وفلاحي مصر، ودون أن يقاطعه أحد العمال بالعبارة الشائعة عند المصاروة «البخشيشة يا ريس».

واختار العمال ميدان التحرير، مسرح الثورة بالقاهرة، للاحتفال والقيام بالعديد من الحفلات الفنية والفلكلورية لدعم الثورة ومساندة الطبقة العاملة في مصر، كما نظمت العديد من القوى العمالية والحقوقية مسيرات حاشدة لدعم العمال في عيدهم، والتأكيد على أنهم عصب التقدم الاقتصادي في مصر.

وأكد العمال المحتفلون على تحقيق العدالة الاجتماعية بما تتضمنه من حرية تشكيل التنظيمات واللجان النقابية في جميع جهات العمل الحكومية والخاصة وتفعيل دورها في تطوير منظومة العمل والتفاوض لتحسين الأجور، ومن المطالب التي طالب بها عمال مصر وضع حد أدنى للأجور بـ(1500 جنيه)، بعد أن قضت المحكمة العام الماضي بـ1200 جنيه، لكن الظروف والأسعار اختلفت، مع وضع حد أقصى 20 ضعفاً لأجر أقل عامل، وإلغاء مرسوم تجريم الاعتصامات والإضرابات، تثبيت كل العمالة المؤقتة، إلغاء قانون العمل المعمول به حالياً بشكل يضمن الأمان الحقيقي للعامل، إلغاء قانون النقابات العمالية، وإنجاز قانون جديد يتفق مع الاتفاقيات والمعايير الدولية والمواثيق العمالية التي وقعت عليها مصر، وعودة جميع العمال المفصولين عن العمل خاصة النشطاء السياسيين.

ورغم أنف الاحتلال ارتدى شارع السعدون، أحد أهم الشوارع المعروفة في قلب العاصمة العراقية بغداد اللون الأحمر، حيث نظم المئات من الشيوعيين العراقيين مظاهرة انطلقت من ساحة الفردوس، وحتى ساحة التحرير من ناحية الرصافة ببغداد كانت الأكبر بالنسبة لهم منذ الانتخابات التي جرت العام الماضي، وحمل الشيوعيون وأنصارهم وجماهيرهم خلال المظاهرة أعلاما وبالونات حمراء، ومكبرات صوت إضافة إلى علم الحزب «المنجل والمطرقة». ودعا الشيوعيون العراقيون الذين فقدوا الكثير من بريقهم خلال المسيرة إلى إعادة عمل النقابات، وحماية الصناعة الوطنية، وحمل أنصاره لافتات كتب عليها «التنظيم النقابي حق مشروع للعمال» و«نعم لإجراء انتخابات عمالية وفق النظام الداخلي للنقابات». وهتف أنصار الحزب: «احموا الصناعات الوطنية، ادعموا القطاع العام لبناء الاقتصاد العراقي». كما ردد المشاركون في المسيرة هتافات طالبت الحكومة بالقضاء على البطالة في البلاد، وتوفير فرص العمل للعاطلين.