التقاليد الثورية في الوعي الاجتماعي للجماهير
الوعي الاجتماعي للجماهير الشعبية (الطبقات الكادحة) هو تلك الآراء والأفكار التي يسترشدون بها في نشاطهم العملي ويتبلور هذا الوعي بشكل تراكمي عبر الخبرة الميدانية اليومية لهذه الجماهير والتي تكون في المحصلة مجموعة من مفاهيم البنية الفوقية السياسية والفلسفية والحقوقية والفنية والدينية وغيرها كانعكاس مباشر لعلاقات الإنتاج السائدة في المجتمع،
ومنها منظومة التقاليد الثورية لهذه الجماهير في حركتها (أثناء المد الثوري) وسكونها (أثناء التراجع المؤقت للحركة الثورية) مع الأخذ بالاعتبار أن هذه التقاليد الثورية تكون في أوج تفعيلها اجتماعياً أثناء المد الثوري. وهذا لا يعني في المقابل أنها تفنى أثناء التراجع المؤقت للحركة الثورية أو تموت بفناء مرحلة أو شكل من أشكال الصراع الطبقي وإنما تبقى في حالة سكون يراكمها أكثر حالة احتقان الجماهير المتصاعد أثناء سكونها بانتظار لحظة الانفجار لتطلق ذاك المخزون الهائل من التقاليد الثورية المتجذرة في الوعي الاجتماعي للطبقات الكادحة. وهذا بالضبط ما يحدث في البلدان العربية التي تشهد منذ بداية العام الحالي نشاطاً نوعياً لحركة الجماهير في الشارع قل نظيره منذ فترة المد الثوري في القرن السابق.
البحرين نموذجاً:
البحرين كبلد عربي يقع في منطقة حساسة استراتيجياً وتتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية تحرك البيادق على الملعب البحريني وتساهم في تغذية الفالق الثنائي المذهبي الوهمي. لكن ما لم تحسب هذه القوى له الحساب هو أن القوانين الاجتماعية تفعل فعلها ضمن موضوعة الصراع الطبقي لتضع الخط البياني لتطور حركة الجماهير ضمن سياقه الطبيعي وتفرز تصادم قوتين متصارعتين تتناقض مصالحهما وهي الطبقات الكادحة من جهة والطغمة الملكية الحاكمة، بوصفها إحدى حاميات مصالح الامبريالية العالمية في منطقة الخليج والجزيرة العربية. وتستند الطبقات الكادحة في صراعها مع خصمها الطبقي التاريخي إلى منظومة التقاليد الثورية التي تراكمت في وعيها الاجتماعي خلال المد الثوري السابق وخلال تراجعه، لتكون في المحصلة من حيث الشكل و المضمون أقوى من سابقتها في الفعل الاجتماعي لأن تأثيرها تراكمي.
فالشعب البحريني يمتلك في مخزون وعيه الاجتماعي منظومة تقاليد ثورية تكونت خلال نضالات طويلة قادتها القوى الوطنية والتقدمية للشعب البحريني مثل جبهة التحرر الوطني البحرانية والمنبر التقدمي في البحرين والاتحاد الوطني لطلبة البحرين والنقابات العمالية، فالطبقة العاملة في البحرين، وخاصة عمال النفط والكهرباء والبناء والبلديات الذين أفضت إضراباتهم المطلبية الفردية في البداية إلى نشوء حالة من العصيان المدني في أثناء إضرابات عمال معظم القطاعات بداية الستينيات وفي حالات كثيرة حيث كانت قوات الاحتلال البريطانية تلاحق العمال المضربين وتعتقلهم (عمال النفط وعمال الكهرباء 1964).
كذلك الحركة الطلابية البحرينية التي ترافقت نضالاتها مع نضالات العمال لتتوج هذه النضالات بثورة 1965 التي حققت جلاء القوات البريطانية عن أرض البحرين والتي أثبتت أن الترابط وثيق بين الطبقة العاملة والحركة الطلابية كجزء من منظومة التقاليد الثورية في البحرين وأن كلمة الفصل في كل معركة هي للطبقة العاملة، فعندما تزمجر مطارقها في الساحات تخرس كل البنادق وصنوف الأسلحة الأخرى.
التاريخ كالأم يعطي مورثاته للجنين:
في بداية عام 1996 اندلعت انتفاضة شعبية عارمة ضد النظام الملكي المتعفن وضد الوجود الأجنبي الأمريكي على أرض البحرين، وضد الجشع والنهب المنظم الذي تمارسه هيمنة الامبريالية على ثروات المنطقة والتي عبرت عن أزمة حادة كانت تعيشها منطقة الخليج التي شهدت بكثافة مظاهر الاضطراب السياسي والاجتماعي. وعبرت الجماهير عن سخطها عبر أشكال جديدة من العصيان المدني إضافة إلى الإضرابات العمالية والطلابية التي تشكل عصب منظومة التقاليد الثورية في البحرين كاحتلال المرافق العامة، لتثبت أن التاريخ كالأم يعطي مورثاته للجنين ويزيد من الخبرة التراكمية الميدانية لحركة الجماهير عبر الجديد المتمثل في هذا الجنين. وما حدث أثناء الانتفاضة البحرينية الأخيرة يثبت ذلك بشكل أكبر، فما خزنه الشعب البحريني في وعيه الاجتماعي من منظومة تقاليد ثورية أثناء ثورتي 1965 و1996 أطلق أثناء انتفاضة 2011 مع الجديد المتمثل في جنين آخر يختلف عن أمه ثورة 1996 ولكنه يحمل مورثاتها التي تحمل بدورها مورثات أمها ثورة 1965. فالجديد المتمثل في ثورة 2011 هو شكل جديد للنضال اتبعته الجماهير وهو احتلال الساحات العامة (دوار اللؤلؤة) وسط العاصمة المنامة حيث أصبحت هذه الساحة رمزاً للانتفاضة الحالية.
كما نقلت وسائل الإعلام أن النقابات البحرينية قد دعت إلى إضراب عام في الثالث عشر من نيسان لدعم المحتجين الذين نفذوا اعتصاماً لأسابيع في دوار اللؤلؤة إلى أن اقتحمته قوات الأمن في 16 آذار وذلك احتجاجاً على قيام شركات عدة مثل بتلكو للاتصالات وطيران الخليج وخدمات مطار البحرين و ايهبيام ترمينالز بتسريح 200 عامل بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الطبقة العاملة إن نزلت إلى ساحة الصراع في البحرين كطبقة واعية لذاتها فإنها ستحسم الصراع لمصلحة الشعب وسيكون لها كلمة الفصل هنا كما كان لها في السابق وخاصة في أثناء ثورة 1965 التي حققت الاستقلال والجلاء بسواعد آلاف العمال المضربين في قطاعات عملهم.