القضية الكردية في عالم مضطرب!
لم يعد خافياً على أحد حالة الاضطراب التي تمر بها البشرية، دولاً ومجتمعات وقوى سياسية، ومن الطبيعي والحالة هذه أن تتحدد الأولويات وتتجدد الخيارات والمهام على ضوء الواقع الجديد.
منذ أن رسم المهندس الغربي خرائط المنطقة كانت القضية الكردية من القضايا الساخنة في منطقة الشرق، وطالما كانت هذه القضية بوابة تجاذبات دولية وإقليمية ومحلية، أثّرت بهذا المستوى أو ذاك على التطور التاريخي لبلدان عديدة وعلى مسار تطور القضية نفسها.
في ظل محاولة إعادة رسم خرائط المنطقة تتحدث بعض مراكز الأبحاث الدولية - غربية على وجه الخصوص - عن قرب استحقاق دولة كردية، وفي السياق نفسه يعود بعض الساسة الأكراد مجدداً إلى الحديث انطلاقاً من النزعة القومية المجردة عبر تصريحات واضحة مرة ومواربة مرة أخرى، ومنها مشروع تقدمت بها إحدى الكتل النيابية في برلمان الإقليم مؤخراً، مستندين في ذلك إلى حالة «الاستقرار النسبي» لإقليم كردستان العراق وحالة الإنهاك التي تمر بها العديد من الدول التي يشكل الأكراد جزءاً من نسيجها الديمغرافي..
الإسلاميون .. من جرب المجرب..؟!
كان من اللافت أن يكون الإتحاد الاسلامي الكردستاني في العراق أحد المتصدرين للحديث عن الاستقلال جواباً على ما طرحه السيد مسعود البرزاني في لقائه مع القوى السياسية في الإقليم مؤخراً عن الخيارات الكرديةـ حسب ما صرح به أحد قادة الاتحاد الاسلامي، وما يثير الانتباه أكثر أن هذا الطرح يأتي في ظل استمرار التناقضات الداخلية في الإقليم على أكثر من مستوى، ففي حين يستمر مستوى معيّن من التناقضات التاريخية بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم – الاتحاد الوطني، الديمقراطي الكردستاني – تظهر تناقضات جديدة تتمظهر بأنها حول استحقاق تشكيل الحكومة ولكنها في الواقع تتمحور حول مسائل أعمق تتعلق بشكل إدارة الاقليم وعلاقاته الإقليمية ومستوى الفساد، ويأتي هذا الطرح أيضاً في ظل استمرار الخلاف بين الحكومة العراقية في بغداد، وحكومة الإقليم التي قادتها النزعة البراغماتية إلى عقد تفاهمات مع الحكومة التركية رغم موقفها التاريخي من القضية الكردية عامة، ورغم وضعها القلق...
إن مجرد أن يكون المتصدر لهذا الطرح تيار إسلامي، يضع أكثر من إشارة استفهام وخصوصاً في ظل تراجع دور هذه التيارات في المشهد الاقليمي ككل.
تغيير الخرائط بأي اتجاه؟!
لا شك ان القومية الكردية كانت أحد ضحايا تقاسم مناطق النفوذ بين الدول الاستعمارية في بدايات القرن الماضي، ودفع الكرد أثماناً باهظة ساهمت فيها فيما بعد الأنظمة المتعاقبة على الحكم في دول المنطقة، بالإضافة إلى الأخطاء الاستراتيجية للقيادات الكردية، ولا شك أيضاً أن تلك البنى والكيانات بشكلها الحالي أصبحت في حكم الماضي في ظل المرحلة الانعطافية التي تمر بها البشرية على خلفية أزمة مستعصية على الحل في المراكز الراسمالية وتأثيرها على مختلف دول ومناطق العالم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بأي إتجاه سيكون تغيير الخرائط... ؟
في معرفة الإجابة الدقيقة على هذا السؤال يتوقف مستقبل تطور عموم بلدان وشعوب المنطقة، وبالتالي فإنّ أية مغامرة غير محسوبة كردياً في ظل المرحلة الانتقالية بين موت القديم وولادة الجديد يمكن أن تحول الواقع الكردي من مأساة إلى مهزلة لا أكثر ولا أقل، حتى وإن استندت هذه المحاولات على حق مشروع بالمعنى القانوني والسياسي للشعوب.. ففي ظل توجه العالم إلى الاندماج والوحدة بحكم التطور التاريخي، من العبث التفكير بمزيد من التفتيت والتقسيم، وخصوصاً إذا كان ذلك من خلال الإتكاء على قوى هي نفسها مهددة بحكم التوازن الدولي الناشىء وإن كان قلقاً حتى الآن، لاسيما أن اللعب بالخرائط باتجاه المزيد من التجزئة لم يمر حسب التجربة التاريخية إلا بشلالات من الدماء... الجديد الذي ينبغي عدم تجاهله لحظة واحدة هو أن عصر الهيمنة الامريكية في طريقه إلى الانتهاء حكماً، وإن القوى الإقليمية المتحالفة معه تركية وغيرها، ستتراجع بالضرورة، ولم تعد قادرة على لعب دور الشرطي، والرهان عليها أصبح مثل الرهان على بغل عجوز في سباق ماراتوني.
إن واقعاً جديداً يتشكل، ويجب أن تتعالج كل القضايا العالقة ومنها القضية الكردية، بما يلبي الحقوق المشروعة للجميع، و لا خيار في هذا الواقع المتشكل إلا وحدة نضال شعوب الشرق العظيم على أساس الإعتراف المتبادل بالحقوق، والمصالح المشتركة والمصير المشترك.