هل يواجه العراق خطر الحرب الأهلية ؟
تتسارع تطورات الأوضاع العراقية نحو السقوط في الهاوية, فالطبقة السياسية الفاسدة التي ارتكبت جريمة كبرى بحق الشعب والوطن, باقتسام المناصب والبلاد على أساس الانتماء الطائفي والمذهبي، تسارع الخطى نحو إشعال حرب أهلية.
وتهدف هذه الحرب لنقل الحالة التي مررها المحتل الأمريكي في تركيبة مجلس الحكم، كحالة مؤقتة كما روج أعضاؤه، وواصل أذنابه السير عليها في تشكيل حكومات علاوي والجعفري والمالكي على مدى عقد من الزمن، إلى حالة الأمر الواقع الانفصالية, بالإعلان عن اقطاعيات طفيلية متقاتلة على ما يطلق عليه في خطابها التمزيقي بـ «المناطق المتنازع عليها»، وصولاً إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بتقسيم العراق.
فلا يزال الغموض سيد الموقف حول الأوضاع في الفلوجة خاصة، والأنبار عامة، وتتلقى بابل قذائف الهاون. وفي كركوك، أشعلت شرارة الفتنة القومية, أما ديالى فتخوض حرب مليشيات طائفية- اثنية. وبغداد تئن، وإن لم تصرخ بعد!.
وتأتي الأخبار الغامضة والمقلقة حول تبادل السيطرة بين الجيش و«داعش» على سد الفلوجة, خصوصاً الإعلان بأن إرهابيي «داعش» لا يزالون مسيطرين على السد، حيث يقومون بإغلاقه وفتحه لتهديد مناطق واسعة في الأنبار، وصولاً إلى مشارف بغداد، وخاصة مناطق الزيدان وخان ضاري وحتى سجن أبو غريب بالغرق. فغرق هذه المناطق، والنقص في وصول المياه إلى الفرات الأوسط والجنوب، بدا وكأنه سلاحاً دعائي أو عسكري في غاية الخطورة، لما يترتب عليه من تداعيات تهدد الأمن الوطني على المستويات كافة.
يواجه الجيش العراقي راهناً امتحاناً مصيرياً لمدى صمود بنيته الطائفية التي حددها الدستور، وهي صيغة وإن ألغت القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الجيوش الوطنية, أي الخدمة الالزامية, فقد تعهدت اعتماد «التوازن الطائفي الاثني», التي سقطت قبل أيام عند موقع استشهاد إعلامي عراقي، وكادت تودي إلى صدام مسلح بين قوات عمليات بغداد وفوج البيشمركة الرئاسي، وكلاهما من مكونات الجيش العراقي!
ويتكرر المشهد اليوم في كركوك اثنياً، وفي المنطقة الغربية طائفياً. ومما يزيد الوضع المحتقن هذا تعقيداً، هو الانتشار العلني للمليشيات الطائفية المسلحة تسليحاً ثقيلاً، والمدعومة من الحكومة المركزية. ولعل ما يثير السخرية والاستنكار في آن معاً, هو الإعلان الحكومي الرسمي الذي صدر مع بدء العملية العسكرية, من أنها ستحسم خلال أيام، ويتم القضاء على العصابات المسلحة, ليتطور الموقف إلى حرب حقيقية يسقط فيها قادة الجيش أنفسهم وتهدد بغداد ذاتها.
إن حالة التفكك المتسارعة للقوى الحاكمة, سواء تلك التي ترفع اليوم شعار الكونفدرالية, أو التي تزعق بالفيدرالية الطائفية, تستكمل في نهجها على الأرض ما تقوم به القوى الإرهابية والفاشية في ممارسة سلوك إجرامي، يهدف إلى إثارة حرب أهلية واقتتال طائفي-اثني، وذلك بحمل المواطنين على التسلّح بداعي الدفاع عن النفس في دولة اللاقانون. وتأجيج الفتنة الطائفية وزعزعة الأمن الوطني والتفريط بالوحدة الوطنية وتدمير الثروات البشرية ونهب أموال الشعب.
إن واجباً وطنياً تاريخياً يقع على عاتق القوى الحية في المجتمع، يتمثل بإطلاق مبادرة سياسية متحررة من أجواء المحاصصة الفاسدة والتهديدات الفارغة بتشكيل الأقاليم والكونفدراليات والاستقواء بالخارج. مبادرة تستند إلى حراك شعبي وطني على الأرض، تعيد قطار الشعب إلى سكة المسيرة الوطنية العراقية الطامحة إلى استكمال السيادة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، مبادرة تجبر حيتان الفساد وكتلهم الطائفية العنصرية اللصوصية على التنحي عن الحكم. مبادرة وطنية جذرية جامعة تتمثل بتشكيل مجلس وطني انتقالي لمدة عام، تنبثق عنه حكومة كفاءات مهنية وطنية مستقلة، يعد دستوراً يطرح على الاستفتاء العام ويعد لانتخابات نزيهة، وفق قانون انتخابي ديمقراطي عادل وقانون أحزاب حضاري
* منسق التيار اليساري الوطني العراقي