حول حراك الجمهوريات السوفييتية السابقة
فجرت الأزمة الأوكرانية كل التناقضات الكامنة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، وتسارعت الأحداث بشدة. وضعت شعوب هذه البلدان أمام خيارين، في ظل موازين القوى الجديدة عالمياً، فإما الاتحاد مع روسيا، أو الوقوع بين براثن الفاشية الجديدة. وفي مواجهة الظروف الجديدة، تصاعد في العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة حراك شعبي وسياسي معاد للفاشية.
أثناء نقاش مجلس «الدوما» الروسي، أوائل شهر آذار الماضي، قانون انضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، أرسل الأمين الأول للحزب الشيوعي في جمهورية أوسيتيا الجنوبية، س. يا. كوشييف، رسالة إلى «الدوما»، مطالباً المجلس البدء بإدخال التعديلات الضرورية على القانون، والتي من شانها أن تبسِّط إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
«طلاقٌ متحضر» من الإمبريالية
أعلن رئيس جمهورية بريدنستروفيا في مولدافيا، يفغيني شيفشوك، في خطابه السنوي إلى الشعب يوم 7 نيسان الجاري، أن مستقبل المنطقة سيكون مع روسيا، واصفاً انفصاله عن مولدافيا بـ«الطلاق المتحضر». واتهم شيفشوك الغرب بازدواجية المعايير والنفاق، وأوضح أن قادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة لا تعترف بنتائج الاستفتاء على استقلال بريدنستروفيا. فيما تصاعدت المظاهرات في العاصمة كيشينوف، بعد قيام الرئيس المولدافي باستدعاء التدخل العسكري للناتو والاتحاد الأوروبي، في استفزاز واضح للروس.
في استونيا، يستعد الشعب لإحياء الذكرى السابعة للانتفاضة المعادية للفاشية، التي اندلعت في العاصمة تالين في الرابع والعشرين من نيسان 2007، عندما قامت السلطات بإزالة تمثال الجندي السوفييتي المجهول، فنزل الناس إلى الشوارع وسقط العديد من الشهداء لحماية التماثيل الأخرى. وقد صرح إلهام غابسوف، سكرتير «كومسومول»* استونيا، أن الفاشية لن تمر، والأفضل لهم أن يخفضوا الضرائب خوفاً من انتفاضة الشعب، بدلاً من خوفهم من التماثيل والحجارة.
وفي لاتفيا، بدأت تحضيرات للقيام بالمظاهرة الكبيرة للتضامن مع السجناء السياسيين في أوكرانيا، وضد الليبرالية والفاشية، منذ شهرين. وقد حدد المنظمون يوم 17 نيسان لبدء الاحتجاجات، انطلاقاً من أمام السفارة الأوكرانية وانتهاءً في أحد الميادين الرئيسية للعاصمة ريغا، تحت شعار «نحن لسنا عبيداً للأوليغارشية»، وضد ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين بنسبة 40%، وانخفاض معاشات التقاعد بنسبة 50%، وارتفاع الضرائب البلدية المختلفة.
«ستالين» حاضر في بروباغندا الغرب
بدأ الناس بزيارة أضرحة ضحايا النازية، ووضع باقات الورود عند التماثيل السوفييتية منذ 16 آذار الماضي، وانطلقت مظاهرات المشاعل في كل المدن اللاتفية ضد النازيين الجدد في لاتفيا، أكبرها كان المسير الذي انطلق من ريغا إلى قرية بوبريني، التي ضمت أكبر معتقل نازي «معتقل كورتينغوف»، أعدم فيه 100 ألف لاتفي، خلال عامي 1943 – 1944 في جرائم تنكيل وحشية.
وفي تصرح للرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في الخامس من نيسان الجاري، قال بأن العقوبات الغربية مجرد هراء، و«نحن نعرف كيف نقف ضدها منذ عقدين»، كما طالب بتعزيزات روسية، رداً على نشاطات الناتو على حدوده بتاريخ 12 نيسان. وقد واجه لوكاشينكو ثورة ملونة مدعومة من الغرب عام 2005، وفرضت على بلاده عقوبات مختلفة، فهو في نظر الاتحاد الاوروبي «آخر الزعماء الستالينيين في أوروبا»، ويدعو إلى الاتحاد الفوري مع روسيا. منذ عام 2005 توجت جهوده بتوحيد الجيشين الروسي والبيلاروسي، تحت قيادة واحدة، عام 2008 .
من خلال المؤشرات السابقة، يواجه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تصاعداً في المواقف الشعبية والرسمية، جراء تدخله في الجمهوريات السوفييتية السابقة، والتي سببت صعود النازية في أوكرانيا. ويهدد بلداناً أخرى بذلك، وهو يظهر مدى الارتباك والتراجع الذي حصده جراء ذلك.