دبلوماسية من ورق!
أيها الفلسطينيون..احزموا أحلامكم وآمالكم فنحن ذاهبون إلى الأمم المتحدة، ذاهبون لنحقق نصراً تاريخياً، سوف تصبح فلسطين دولة عضو غير مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة».
هكذا حاولت السلطة الفلسطينية جاهدةً تصوير الأمر، ناسية أو متناسية أن للشعب الفلسطيني خبرته الطويلة وخيباته المريرة في التعامل مع القرارات والاتفاقيات والمنظمات الدولية، وأنه الأعلم بمدى عدالتها ومصداقيتها الواهية.
فبماذا تعدنا السلطة الفلسطينية بعد نيل فلسطين مكانتها الجديدة كدولة غير عضو؟ وما هي حقيقة تلك الاستحقاقات؟
الاستحقاق الأساسي حسب دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية هو: الحصول على وضع دولة غير عضو على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهذا سيرفع من وضع فلسطين السياسي في المنابر الدولية ويؤهلها لمواجهة ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» غير القانوني بشكل أفضل ويساعد في ترسيخ الإجماع الدولي المتزايد حول حل الدولتين!! .لكن هل يسمح الواقع الحالي بتجسيد تلك الدولة وهل يعتبر ذلك تقدماً على صعيد النضال التاريخي؟
يتضمن القرار إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وهذه الأراضي تشكل ما نسبته 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وبحسب دراسة نشرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات فإن 82% من أراضي الضفة الغربية يخضع للسلطات «الإسرائيلية» وفيه حوالي نصف مليون مستوطن يعيشون في حوالي 200 مستوطنة، وهذا يعني أنه لتجسيد قيام الدولة الفلسطينية ينبغي إزالة تلك المستوطنات وهو أمر يجري عكسه تماماً. فالحكومة «الإسرائيلية» تزيد من مشاريع الاستيطان في القدس وغيرها وفي ظل وضع أمني تعززه سياسات التنسيق الأمني الفلسطيني-الإسرائيلي، ولعل تصريحات بنيامين نتنياهو تشير إلى تمسكه بمواصلة الاستيطان حيث قال معلقاً على إنجاز سلطة أوسلو :»إن القرار في الأمم المتحدة لا معنى له ولن يغير شيئاً على أرض الواقع».
كذلك فإن قيام الدولة يتطلب الاستقلال المالي للسلطة الفلسطينية وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الوضع والاتفاقيات الراهنة، حيث تعتمد السلطة الفلسطينية في مواردها الرئيسة على جانبين هما: موارد داخلية تتمثل بالضرائب والجمارك والتي تتحكم بها «إسرائيل» بشكل تام، وموارد خارجية، تشكل المساعدات الغربية أهمها، وبالتالي هي أسيرة التوجهات الأمريكية والأوروبية .
خطوة للأمام أم خطوة للوراء؟
بالمقارنة مع قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 يتضح لنا أن هذه الخطوة لم تكن خطوة للأمام في تاريخ النضال الفلسطيني بل كانت خطوة للوراء، فالقرار 181 أوصى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى ثلاثة كيانات جديدة:
- تأسيس دولة عربية فلسطينية على 45% من فلسطين.
- تأسيس دولة يهودية على 55% من فلسطين.
- أن تقع مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية.
ومن الواضح وبعد «الإنجاز الدبلوماسي» الأخير، أننا انتقلنا من حقنا في المطالبة بفلسطين التاريخية إلى حقنا بـ 45% من أراضيها بموجب قرار التقسيم عام 1947 ، ومن ثم إلى حقنا بـأقل من 22% فقط من أراضيها بموجب قرار الدولة الفلسطينية عام 2012!! وهنا يحضرنا قول الشاعر تميم البرغوثي « في يدينا بقية من بلاد فاستريحوا كي لا تضيع البقية».
وفي نقطة أخرى نلاحظ التنصل التدريجي لدبلوماسية عباس من موضوع اللاجئين، فتصريحاته الأخيرة تشي بذلك، كما أن القرار لم يتضمن أية تسوية أو حل لأوضاعهم، وهو ما يعطي إشارات بالتعهد الضمني بعدم رفع الدعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن هذا الأمر بات ممكناً بعد حصول فلسطين على صفة دولة غير مراقب في الأمم المتحدة، أي أن سلطة أوسلو لاتُنجز أمراً إلا لتخسر قضايا !.
نذكر أيضاً القرار 194 ، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد نكبة 1948 في العام نفسه، والذي ينص على وضع القدس تحت إشراف دولي دائم وعلى حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وعلى حق الجميع في الدخول إلى الأماكن المقدسة.
وتطول القائمة بالقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة التي بقيت طي التاريخ، ولعل من المهم ذكر أبرزها لتبيان مدى الوهم الذي تعدنا به القيادات الفلسطينية بأن هذه الخطوة ستجعل موقفنا أقوى في خوض «الحرب» القانونية ضد الاحتلال وبمدى جدواها :
- القرار 242 عام 1967: ينص على انسحاب القوات «الإسرائيلية» من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير (الضفة الغربية، غزة، الجولان، سيناء)، وعلى إنهاء جميع حالات الحرب واحترام سيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة والاعتراف باستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها .
- القرار 3236 الصادر عام 1974: اعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وفي الاستقلال والسيادة الوطنية، وعودة اللاجئين من أبنائه إلى ديارهم حسب القرار 194، والاحترام الكلَّي لحقوقه، وأن الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وحقه في استعادة حقوقه بكافة الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
– القرار 3210 الصادر عام 1974: اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني وحصلت المنظمة على صفة مراقب في الأمم المتحدة كحركة تحرر وطني.
- القرار رقم 478 عام 1980: رفض الاعتراف بقرار «إسرائيل» ضم القدس واعتبره لاغياً وباطلاً وغير شرعي - قرار أصدرته محكمة العدل الدولية عام 2004: أكدت فيه أن جدار الضم والتوسع الذي أقامته «إسرائيل» في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويستوجب على «إسرائيل» إزالته وتفكيكه، وأكدت المسؤولية القانونية للمجتمع الدولي في تجسيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
الميزان الدولي
والإستراتيجية الفلسطينية المطلوبة:
كما وجدنا فإن خطوة نيل فلسطين صفة دولة غير عضو على حدود عام 1967 هي خطوة غير تقدمية بل هي خطوة انهزامية لاسيما في هذه المرحلة التي تتسم بالصعود الثوري والتي يمكن تحديد أبرز ملامحها بالنقاط التالية:
1- تفجّر الإرادة الشعبية العربية والتي ستصب في نهاية المطاف في مصلحة القضية الفلسطينية، لأنها ستكون تعبيراً صادقاً عن إرادة عربية شعبية تضع القضية الوطنية في مقدمة أولوياتها.
2- آثار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية على حرية الحركة الأمريكية في الشرق الأوسط وغيرها.
3- تنامي دور الدول الصاعدة لاسيما الصين وروسيا في العالم.
إن مثل هذه الظروف تتطلب بناء إستراتيجية فلسطينية جديدة تمكن الفلسطينيين من امتلاك أوراق قوة وضغط، بحيث يستطيعون تغيير موازين القوى وجعل الاحتلال مكلفاً وخاسراً «لإسرائيل»، وليس كما هو الآن احتلالًا مربحاً، وعندها فقط يمكن للمفاوضات أن تثمر.
لذلك فإن المطلوب من القيادات الفلسطينية اليوم هو الاستفادة من الدروس والعبر وتجاوز الأخطاء والثغرات وتكريس الإنجازات والمكتسبات والبناء عليها، فالدبلوماسية المستندة على وضع أوسلو لن تجني إلا التراجع، بينما تستطيع بندقية وصواريخ المقاومة أن تفرض إنجازات هائلة، سواءً كانت دبلوماسية أو واقعية، فيما لو اعتمدت كنج أساسي للتحرير.