براءة الإسلام.. أم براءة الظّلام والحكام..؟
المتابع للتطورات العالمية والإقليمية والأزمة العالمية للرأسمالية وليبراليتها الجديدة في العقدين الماضيين يتبين له من خلال التنظير لها فكرياً وأيديولوجياً أنها تبنت إثارة المشاعر الدينية في مواقفها في منطقة الشرق ككل.. كما فعل بوش الابن الذي اعتبر أن الوحي قد جاءهوأصبح كالمسيح المخلص.. كذلك تحاول الدولة الصهيونية عبر تكريس يهوديتها..
وما يسمى أيضاً الصحوة الإسلامية عبر صعود التنظيمات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية.. والإيحاء بأن الإسلام هو الحل لمعاناة البشرية.. كل ذلك لإدخال العالم والشرق خصوصاً فيصراعات دينية.. لحرف الصراع عن جوهره الأساس بين مستغلين ومستغلين.. وأن الشرور هي من النظام الرأسمالي كما تهدف أيضاً إتاحة الفرصة لمنظريها وقادتها عبر الحروب الأهلية للخروج من الأزمة.
انطلاقاً من ذلك وبجردة بسيطة يمكننا ملاحظة العديد من الحوادث التي استهدفت إثارة المشاعر الدينية واستغلالها أيضاً لتنفيس الاحتقان المكبوت للشعوب نتيجة القهر والاستغلال وعلى سبيل المثال: الضجة الإعلامية التي أثيرت حول كتاب سلمان رشدي آيات شيطانيةوتحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان ونشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول الكريم.. وتمزيق القرآن من جنود أمريكيين.. ومحاولة الحرق العلنية للقرآن من القس الأمريكي جونز.. وآخرها الفيلم الصهيوني «براءة الإسلام».
لاشك نحن مع احترام الأديان والمشاعر الدينية وضد المساس بها.. لكن تبين من خلال المتابعة أن الحوادث السابقة ترافقت مع أحداث ومواقف سياسية واجتماعية كان يجري تمريرها أو التعتيم على بعضها.. وأن إثارة هذه العواطف والمشاعرالدينية كان يتم من الدولالراسمالية وربيبتها الصهيونية والأنظمة الرجعية العربية وجوقات التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي انشأتها ودعمتها.. ومازالت، وبتغطية إعلامية كبيرة.. وكذلك تتلقفها الأنظمة العميلة في المنطقة مستغلين بذلك عواطف الناس البسطاء ومشاعرهم الدينية لتلهيهم عنمعاناتهم الاقتصادية الاجتماعية ومستغلة بذلك الاحتقان المكبوت اتجاه أمريكا ولتنفيسه في أعمال تخريبية ودعوات للقتل والتكفير تشوه صورة الإسلام والمسلمين فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد وفي الوقت ذاته يتم التجاهل عن عمد لمواقف وأحداث تمس الدينوالوطن كالإعلان عن القدس عاصمةً أبدية للدولة الصهيونية.. ويتم أيضاً من الدول الرجعية والتنظيمات التغاضِي وعدم التنفيذ للمقاطة للبضائع الأمريكية والأوروبية بل ويتفاخر البعض بإقامة علاقات مع إسرائيل.. ناهيك عن الذين وقعوا اتفاقيات معها.
من 11 أيلول 2001 إلى أيلول 2012 أحد عشر عاماً.
من مهاجمة برجي التجارة العالميين إلى الفيلم الصهيوني صناعة مخابراتية أمريكية صهيونية براءة الإسلام.. لمنح صكوك البراءة للحكام.. ولقوى الظلام.. وببساطة دعونا نتساءل: لماذا هذا التوقيت.. ولماذا انطلقت التظاهرات ضد الفيلم من ليبيا وتونس ومصر واليمن..ماذا وراء الأكمة..؟
نلاحظ أن الضجة الإعلامية والتظاهرات ترافقت مع:
قرب موعد الانتخابات الأمريكية للتأثير على الناخب الأمريكي.
زيارة البابا بينديكوتس إلى لبنان ودعوته إلى إيقاف المد بالسلاح ووقف العنف في سورية والشرق.
زيارة الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية من أجل حل سياسي للأزمة.
تفاقم الأزمة الراسمالية ومفاعيلها.
انطلاقاً من ذلك إن صعود التنظيمات المتطرفة في هذه البلدان نتيجة الدعم الأمريكي والرجعي العربي.. وانطلاق التظاهرات فيها يوحي أن هناك تناقضاً مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وهذا يعني منحها صكوك براءة من ارتباطاتها.. وتكريس لوجودها وهيمنتها هذا منجهة ومن جهة ثانية إثارة الصراعات الدينية وحتى الطائفية حيث خرج علينا أحد المشايخ في فلسطين المحتلة بالدعوة إلى القتل لليهود والنصارى.. وهذا يترافق أيضاً مع دعوات التهجير لمسيحي الشرق الذي يجري الترويج له.. بينما يتم تجاهل المواقف المشرفة للمسيحيينالشرقيين كموقف البابا الراحل شنوده الذي رفض وحرم الحج إلى القدس وزيارتها طالما هي تحت الاحتلال الصهيوني وكذلك مواقف المطران عبد الله حنا.. والمطران كبوتشي..
ولعل من النتائج الخطرة لما يحدث هو تبرير الإدارة الأمريكية بأن الفيلم يأتي من باب حرية الرأي والتعبير..بينما هي تقف في وجه حرية الشعوب والتعبير عن رأيها بشكل حقيقي والتي تطمح للتغيير السلمي ناهيك عما تمارسه القوى الظلامية وما مارسته سابقاً حيث دفعفرج فوده حياته ثمناً لرأيه وفكره واضطر نصر حامد أبوزيد إلى الهجرة من مصر للنجاة من القتل واستشهد حسين مروة ومهدي عامل وكذلك ما تعرض له محمود درويش.. وغيرهم كثر.