الوضع اللبناني وكرة النار المتنقلة
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الوضع اللبناني وكرة النار المتنقلة

يستطيع الناظر إلى الأحداث الدامية الجارية في سورية، أن يرى مدى خطورتها داخلياً وإقليمياً وبعض المحللين من يرى خطورتها عالمياً تحت شعار « أن العالم يعاد تشكيله عبر الأحداث السورية».

وإذا كانت الدول المحيطة بسورية هي أول من سيتأثر بهذه الأحداث بسبب التداخل الديموغرافي بين شعوب هذه الدول التي كانت تشكل إقليماً واحداً كان يسمى بلاد الشام ،ولكن لبنان قد يكون الأول والأسرع تأثراً بها،وهناكمن يحذر من احتمال انتقال كرة النار من سورية إلى لبنان من خلال حصول عمليات اغتيال أو تفجيرات أمنية متفرقة، وفي مناطق تعاني من التوتر، وأن الثبات الأمني الذي نعم فيه لبنان نوعاً ما قد بدأ بالتآكل وأن المرحلةالراهنة أكثر خطورة من الفترة السابقة، كما أن التهم تكال ضد سورية بالجملة والمفرق في أنها تسعى إلى تفجير الأوضاع في لبنان عبر حزب الله والموالين الآخرين خصوصاً بعد القبض على ميشيل سماحة واتهامه بأنه كانينوي تنفيذ مخطط سوري عبر القيام بعدة تفجيرات في عكار واغتيال شخصيات لبنانية من جماعة 14 آذار، وإذا افترضنا أن سورية كانت بالفعل تنوي تنفيذ هذه المخططات علماً أن التحقيق لم ينتهِ بعد كما أن سورية نفتعلاقتها بما تدعى اعترافات سماحة وأنها لا علاقة لها بهذه المخططات جملة وتفصيلا، فإن السؤال الهام الذي يجب طرحه هو: أليس لبنان مؤهلاً أصلاً بسبب التجارب السابقة تاريخياً لانتقال كرة النار وعدوى الأحداث الجاريةفي سورية إليه، دون حتى مخططات تحاك هنا وهناك ضده ؟، والحقيقة التي يجب أن تقال هي: إن تاريخ الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية يجيب بنعم كما أن هناك أسباباً عديدة أخرى تستدعينا لأن نجيب بهذه الاجابة،وعلى رأسها الأسباب التالية:

أولاً - إن لبنان ومنذ نيله الاستقلال في 31 كانون الأول 1946، قام نظامه السياسي على أساس ديمقراطي طائفي، يعتمد ما تسمى بـ «الديمقراطية التوافقية»، التي تعني عدم استبعاد أية طائفة من طوائف لبنان الثماني عشرةمن الحكومة، وتتخذ القرارات فيها بالتوافق أو بما يشبه «تطييب الخواطر»، وليس بالتصويت عبر الأكثرية والأقلية، وتم توزيع المناصب العليا والدنيا في الدولة بين هذه الطوائف، آخذين فيها التوازن الطائفي، ثم جاء اتفاقالطائف ليكرس هذه التوافقية كتابياً في نصوصه، ونتيجة لها كثيراً ما كانت تستعصي الأمور لافتقادها للتوافقية ولعدم إمكانية اتخاذ القرارات بالتصويت، مما أدى ومازال إلى أن يتحول لبنان بدوره لدولة فاشلة يشكل بؤرةمناسبة لانفجار الأوضاع ولأتفه الأسباب، ناهيك عن الفساد الذي استشرى في البنيان اللبناني وأدى إلى تراكم ديونه لما يربو الـ 57 مليار دولار، لبلد لا يزيد ناتجه السنوي عن 30 ملياراً، ورغم أن ما سدده لبنان من ديونه قدتجاوز الـ 30 ملياراً، فإن فوائد خدمة هذا الدين ازدادت بـ 1.6 ملياراً في النصف الأول من هذا العام،أضف اليها تنامي الغلاء والبطالة، وأمام هذا الواقع المتردي أليس حرياً به أن يكون جاهزاً للانفجار بفعل الداخل قبلالخارج، وأضف له أيضاً ما يخطط له التحالف الصهيوأمريكي من فوضى خلاقة والشرق الأوسط الجديد وكان المخطط جاداً في ولادته عبر خطاب كونداليزا رايس خلال حرب تموز 2006 بين لبنان تحديدا وبين اسرائيل.

ثانياً - الانقسام العمودي والأفقي الجاري في صفوف المجتمع اللبناني: وقد تجلى هذا الانقسام المريع عقب حرب تموز فهناك من رأى فيها انتصاراً لحزب الله ولأول مرة في حروب اسرائيل مع الجيوش العربية، وهناك منرأى فيها هزيمة وتخريباً للبنان بسبب التدمير الذي أصاب الجنوب اللبناني برمته بما فيه الضاحية الجنوبية لبيروت بفعل الغارات الجوية الاسرائيلية الوحشية، وبسبب ضرب الموسم السياحي باعتبار أن السياحة تشكل وارداًأساسياً للبنانيين ولخزينة الدولة من العملة الصعبة، فانقسم الشارع اللبناني بين ما تسمى بجماعة « 8 آذار » وجماعة «  14 آذار»،غير متجانستين و تضمان في صفوفهما جميع مكونات الشعب اللبناني، وتصاعد هذا الانقسامرويداً رويداً حتى وصل إلى داخل الحكومة اللبنانية فذهبت حكومة سعد الحريري واستبدلت بحكومة ميقاتي، علماً أن حكومة السنيورة كانت تضم طرفي النزاع ،أضف إلى ذلك الوضع المسيحي، حيث أن هناك شعورًا طبيعياًيمتلك المسيحيين الذين يعيشون في هذه المنطقة كأقليات، وخصوصا لدى مسيحيي لبنان بعد ما شاهدوا الواقع المزري الذي أصاب مسيحيي العراق، وهناك توجه طبيعي نحو الخوف على المصير، خصوصًاً بعد الانسجام التامالذي كان قائمًا بين مختلف الطوائف والمذاهب في المنطقة، إنما منذ بداية ما أُطلق عليه بالربيع العربي حتى الآن، تزايدت المخاوف باعتبار أن المخاطر تزايدت ايضًا، لذلك هنالك خوف حقيقي كأقلية، وهناك خيار بين أمرين،إما النزوح واختيار مكان بديل، وهذا أمر ليس سهلاً، وإما البقاء حيث هم، وكما هو معروف أن   جزءاً من الموارنة قد اصطفوا مع جماعة 8 آذار « التيارالوطني الحر + تيار المردة »نتيجة لمخاوفهم هذه، مما عمق الانقسامبين المسيحيين، مع تشدد مواقف الجزء الباقي تجاه ما جرى ويجري، وتمترست كلتا الجماعتين في خندقين متقابلين وكل يده على الزناد لحل الأمور المعلقة وإعادة ذكرى الحرب اللبنانية من جديد تلك الحرب التي ذهبضحيتها حوالي مائتي الف لبناني.

ثالثاً – حزب الله ودوره في الحياة السياسة اللبنانية  : يشكل حزب الله حالة جماهيرية لبنانية متجذرة في المجتمع اللبناني، ومشاركة في صناعة القرار السياسي على المستوى الوطني، وفاعلة على الأرض من خلال مؤسساتهاالثقافية والاجتماعية، ودوره المقاوم.

 ومن المعروف أن حزب الله قد وقع  في 6 شباط وثيقة تفاهم  مع تكتل التغيير والإصلاح الذي يتزعمه العماد ميشال عون،ومرّ هذا التحالف بأصعب الأوقات، حرب تموز2006، اعتصام وسط بيروت،اضطرابات 7 ايار،الانتخابات النيابية، إسقاط حكومة وترؤس أخرى، ويبدو أن حكومة ميقاتي، في ظل التحولات السورية، ستكون التجربة الأصعب على هذه الوثيقة، خصوصاً وأن النقد والملاحظات والتأفف من الآخر بدأ يخرج إلى العلن،والكل يعرف أن حزب الله بالنهاية هو حزب ديني، والتيار العوني حزب علماني، ودائمًا الحزب العلماني لديه نظرة للقوانين لا تتوافق مع نظرة الاحزاب الدينية أو الطائفية، وما ينغِّص هذا التحالف وتتسع دائرة الخلاف حولههو الأداء الحكومي والإداري والموقف  من الاصلاح والفساد ومحاربته، وتأتي قصة الكهرباء والمياومين كتفصيل في هذا الخلاف، والعماد عون يعتبر نفسه داعياً للإصلاح ومحاربة الفساد، وحزب الله بسبب حساباته ومداراتهلحماية قضيته وسلاحه، مضطر لأن يكون أحياناً صامتاً في هذا الموضوع، ما يسبب اشكالات تتفاعل باستمرار، ويبدو أن وثيقة التفاهم اليوم بين حزب الله والتيار الوطني بحاجة إلى تقييم في العمق من حيث تفاصيلها، أقلهالشق الإداري السياسي والداخلي.

ويبدو أن حزب الله ليس بعيداً عن التأثر بالأحداث الجارية في سورية، وقد بيَّن حسن نصر الله في آخر خطاب له:« إن موقف المقاومة من أي حراك في أية دولة عربية مبني على أساسين ثابتين الأول موقف هذه الدولة منالعدو الإسرائيلي والمشروع الأمريكي في المنطقة والقضية الفلسطينية وحركات المقاومة، فإذا كانت هذه الدولة مع المشروع الأمريكي والصهيوني فهذا يكفي كي نكون ضدها.
وأضاف إن الأساس الثاني هو أن يكون لدى الدولة استعداد للحوار والإصلاح ، فإذا كانت ضد ذلك فنحن ضدها ومع الثائرين عليها مدنياً أو عسكرياً».

وحول دور إيران فقد أوضح أن سياسة إيران في المنطقة سياسة شرق أوسطية فلسطينية تنظر إلى المنطقة من بوابة فلسطين وبيت المقدس فيما سياسة أمريكا في المنطقة سياسة شرق أوسطية إسرائيلية.

ويبدو أن هناك من يريد دفع الأمور في لبنان إلى الفوضى ويعمل في هذا الاتجاه،  حيث أن الخلافات حول مشروعية سلاح المقاومة تتفاعل وتتفاقم مما اضطر رئيس الجمهورية لعقد اجتماعات أمنية لأقطاب السياسة اللبنانيةوبحث هذا الموضوع، حيث تطالب جماعة 14آذار بحصر السلاح بالجيش اللبناني في حين يتمترس حزب الله بأحقيته بالحيازة والوقوف بوجه اسرائيل من أجل القضية الفلسطينية، ولكن أصلاً هناك خلاف جدي حول هذاالموضوع فهناك الكثيرون من اللبنانيين من يرون أن القضية الفلسطينية لا تهمهم ولا يحتاجون لأي سلاح من أجلها تحت شعار «أن قوة لبنان في ضعفه »، لدرجة أن الاجتماع الأخير لم يكن ناجحاً.

أمام هذا الواقع المتردي والذي يزداد تفاقماً فإن الوضع  اللبناني يقف على فوهة بركان قد تنفجر في أية لحظة، فتنتقل كرة النار إليه، وما عاشه اللبنانيون خلال الأيام القليلة الماضية  من خوف على أمنهم خلال الاشتباكاتالدامية في طرابلس بين محلة التبانة وجبل محسن ومقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه، أعاد شريطاً مؤلماً من ذكريات حرب ماضية بكل تفاصيلها الموجعة، فكان الشعور الطاغي لدى الجميع هو الإحساس بالإحباط والقلقوعدم القدرة على التكيّف مع أحداث تذكّر بالحرب المؤلمة.

وأخيراً نقول إنه أياً يكن السيناريو الذي سيواجهه لبنان، فالكل مدعو إلى التبصّر في القرارات، والتنبّه إلى خطورة أن يشيع جو من الاستعداء والتشفي بين اللبنانيين، خصوصاً أن الشارع اللبناني لا يتحمّل قشة قد تقصم ظهربعيره حالياً، كما أن دعوة نصر الله إلى توقيع ميثاق شرف في هذا الإطار ومعالجة ذلك من خلال تجنب الخطاب المذهبي والطائفي وإبقاء الاختلاف سياسياً فقط، أضف إليه العمل على إنهاء الطائفية السياسية وانتهاج مبدأالنسبية في الانتخابات البرلمانية قد يجنب لبنان حرباً لا تبقي ولا تذر وإلا فإن لبنان ماض إلى المجهول!.