الإخوان المسلمون وآل سعود و القضية الفلسطينية
الإخوان المسلمون هم حركة دينية سياسية وجماعة إسلامية، تصف نفسها بأنها حركة إصلاحية شاملة وأنها أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، خاصة في مصر، أسسها حسن البنا في آذار عام 1928، كحركة إسلامية كان هدفها المعلن أن « تكوين هيئة إسلامية تعمل علي تحقيق الأغراض التي من أجلها جاء الإسلام و تقريب وجهات النظر بين الدول الإسلامية» بمعني أن الجماعة « تنشد القوة عن طريق التمسك بالدين و ما جاء به من حض علي التعاون و التسامي»وكانت الجماعة تتلقي تبرعات سخية من شركة قناة السويس و من السفارة البريطانية ثم الملك،
وشكلت مليشيات تابعة لها أسمتها « ذوي القمصان السوداء »متبعة نفس أسلوب النازيين في تكوين مليشيات . ويعتبر الحديث حول تأسيس الحركة في مصر بمثابة الخطأ الشائع حيث أن لبنان كان مكان تأسيسها الأول وذلك في بدايات القرن العشرين وقد قام بها عدد من مشايخ « السنة «من سورية ومن جبل لبنان في العهد العثماني ولكنهم هاجروا من لبنان إلى مصر لأن لبنان في تلك الفترة كان قد بدأ يشكل موطئاً لنهضة قومية عربية ضد العثمانيين وسياسة التتريك وبسبب طبيعته العلمانية وتنوعه الديني والمذهبي وتقدمه الفكري والثقافي الآخذ بالتنامي لم يكن يشكل تربة خصبة لنشوء مثل هذه الحركة الإسلامية بل كان قيداً يمنعها من النمو، ولكنه سرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة في مصر، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست ويوصف هذا الإنتقال من لبنان إلى مصر بالهجرة الأولى.
ثم كانت الهجرة الثانية عبر سياسةٌ اتبعها الملك عبد العزيز لنقل القبائل العربية من البداوة إلى الحضارة، أو من التنقّل وعدم الاستقرار في الصحراء إلى المدنية والسكنى في مكانٍ محددٍ ومعروفٍ، ومنذ قيام الدولة السعودية الثالثة على يد عبد العزيز آل سعود، ثمة ارتباطٌ معلنٌ بين الديني والسياسي في البلاد وكان هذا الارتباط نابعاً من قناعة الملك عبد العزيز بأهمية العامل الديني في تحريك شعوب الجزيرة، وعلى وجه الخصوص في نجد، لأنّه العامل السياسي المهم في توحيد كلمة علماء الدين، وتوحيد القبائل البدوية المختلفة وإخضاعها لسلطة الدولة، بل وتوظيفها كجيشٍ قويٍ مهيبٍ يوطّد الأمن داخل الدولة، ويرهب الأعداء الخارجيين وذلك في ما عرف بـ» حركة الإخوان» وهي تختلف عن حركة «الإخوان المسلمون» التي أسسها حسن البنا ، وتم عبر تحالف ديني سياسي تقسيم المجالات الدينية والسياسية للدولة السعودية بفاعلية. حيث تتولي عائلة آل سعود الشؤون السياسية للدولة، في حين يمارس أتباع ابن عبد الوهاب سلطتهم من خلال النظام الديني دون الحاجة للارتباط بنشاط سياسي.
حينها بدأت هجرة الإخوان المسلمين الثانية من مصر بلد المنشأ وسورية والعراق إلى السعودية، وعلاقتهم بالسلفية ودورهم المشبوه في القضية الفلسطينية وهي موضوع هذا البحث.
وقد رافق هذه الهجرة ما يسمى بالهجرة النفطية، التي تمثلت بهجرة العمّال والفنيين والمهندسين والمعلمين من شتى أنحاء العالم العربي للعمل في الخليج، وهي تتداخل مع الهجرة السابقة في عددٍ من النواحي، وكذلك الهجرة من الريف إلى المدن.
وللهجرة الثانية هذه، وجهان الأول: اضطراري بالنسبة للإخوان المسلمين، والثاني: اختياري وسياسي بالنسبة للسعودية.
وعندما تم تأسيس المملكة العربية السعودية بشكل راسخ في عام 1932، كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا تزال في مراحلها الوليدة، ولذا لم تُشكل تهديداً على العائلة الحاكمة في السعودية ولكنها كانت تنتشر كتنظيم له امتداد في العالم العربي، في هذه اللحظة من الزمن، بدأت العائلة الحاكمة السعودية تنظر إلى انتشار جماعة الإخوان المسلمين بنظرة ريبة. ذلك أن دعوة الجماعة لشكل جمهوري للحكم الإسلامي يمثل تناقضا صارخاً للنظام الملكي الذي تستمد منه العائلة الملكية السعودية قوتها.
وفي اللقاء الشهير بين حسن البنّا والملك عبد العزيز عام 1936، طلب فيه البنّا إنشاء فرعٍ لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فرفض الملك عبد العزيز قائلاً: « كلّنا إخوان مسلمون» ولم يتمكّن تنظيم الإخوان المسلمين من فتح فرعٍ له في المملكة العربية السعودية، ورفضت كل الطلبات التي قدمت من قيادات الإخوان بهذا الشأن.
وفي يوم 28 / 8 / 1954 عندما تم حظر الجماعة بقرار من عبد الناصر ألقى محمد محمد ماضي المدرس بمعلمات شبرا (من الإخوان المسلمين) كلمة استعرض فيها الموقف فقال: وصلتنا أخبار و مصدرها راديو اسرائيل بأن الحكومة اعتقلت عدداً كبيراً من الإخوان كما أُذيع أن عدداً من ضباط الجيش يبلغ الأربعين قد اعتقلوا.
وعلى الرغم من هذا الموقف السعودي منهم والذي يدل على أن السعودية خصوصاً ودول الخليج عموماً يمكن أن تدعم الاخوان المسلمين في البلاد الخاصة بهم ولكنهم غير مرحب بهم في الخليج.
مارس الإخوان دورا مشبوها بما يخص القضية الفلسطينية تحت إمرة العائلة المالكة السعودية وقد أورد الباحث عبدالله العتيبي في مقال له تحت عنوان «الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» أنه: «طلبت –إنجلترا- عقد مؤتمر من أجل فلسطين في لندن يضمّ العرب واليهود وممثلي الحكومة البريطانية، وكان من ممثلي العرب عدا عرب فلسطين الأميران فيصل بن عبد العزيز وأحمد بن يحيى، واشترك الإخوان في المؤتمر باعتبارهم سكرتيرين للأميرين ومترجمين لهما، وأذكر أن ممن أوفد الإخوان الأخ محمود أبو السعود وكان طالباً بكلية التجارة ويجيد اللغة الإنجليزية كتابةً وتحدثاً، وسمي هذا المؤتمر بمؤتمر المائدة المستديرة».والغريب في الأمر أن الإخوان شاركوا في هذا المؤتمر رغم علمهم أنه تم بمبادرة انجليزية وبحضور يهودي !.
وكأن التاريخ يعيد نفسه وبعد أن سيطروا على مجلس الشعب ثم رئاسة الجمهورية في مصر هاهم يفعلون تماماً ما فعلوه سابقا وهاهم بعد نصف قرن أو أكثر يرفضون انتفاضهةالشعب في 25 كانون الثاني ضد ولي الأمر و أعلنوا عن ولائهم للقيصر المخلوع المبارك والتزامهم بسياسته عملياً، فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر قدمت للولايات المتحدة ضمانات بالنسبة إلى احترام معاهدة السلام مع إسرائيل.
وقالت المتحدثة للصحافيين «لقد قطعوا تعهدات لنا بهذا الشأن وأضافت :لقد حصلنا بالنسبة إلى هذا الموضوع على ضمانات من جانب مختلف المحادثين وسنواصل السعي وراء الحصول على ضمانات أخرى في المستقبل».
وقالت نولاند إن الولايات المتحدة تحرص على التذكير بأنها تتوقع من كل الفاعلين السياسيين في مصر أن يحترموا الالتزامات الدولية للحكومة المصرية.
وأخيرا نقول: إن قوى الإسلام السياسي «الإخوان المسلمين تحديداً» التي استلمت الحكم في البلدان العربية مؤخراً، بعد نجاح ثورات لم تكن مبادرة لها أصلاً و« القوى السلفية معها »يعلنون جهاراً بعد كل نجاح« مصر – تونس» أن علاقات الليبرالية الاقتصادية ستستمر، بعد أن أعلنوا كما بينا آنفاً أن الإتفاقات الدولية« بما فيها كامب ديفيد طبعاً» لن تمس، أي أن هناك تناقضاً بين مصالح الشعوب وبين برامج هذه الجماعات، حيث لا يوجد لدى هذه الجماعات أية برامج سياسية أو اقتصادية مشتقة من الشريعة الإسلامية، ومن هنا فإن نقد مثل هذه القوى التي تتمترس خلف الدين هو دفاع عن المصالح المباشرة للشعوب، وبعبارة أدق هو واجب وطني وديمقراطي، فالجماهير الغفيرة لم تنزل إلى الشوارع حتى تبدل اسم الحاكم أو الحزب الحاكم فقط، بل لتغير الأنظمة بما فيها الأشخاص والقوى التي كانت تؤيدها بما يعبر عن مصالحهم السياسية والاجتماعية والوطنية، فما الذي سيتم جنيه من استمرار السياسات الاقتصادية السابقة نفسها؟ وما الذي سيتم جنيه من استمرار علاقات التبعية مع الغرب الرأسمالي؟
إن الوعي السياسي للجماهير خلال الموجات الثورية يتطور بقفزات، ولا تنفع بعد اليوم الديماغوجيا السياسية، والتضليل الإعلامي في تخدير الجماهير العريضة، وإذا استطاعت ذلك هنا وهناك فهو مؤقت بلا شك، ولاسيما أن المنظومة التي تستند عليها قوى الإسلام السياسي «أي الرأسمالية» برمتها إلى أفول بعد الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بتلك المراكز.