فائض ثروات العالم وجور التوزيع
سام بيتزيغاتي سام بيتزيغاتي

فائض ثروات العالم وجور التوزيع

في عام 2006، سعت جامعة الأمم المتحدة بهلسنكي لإحصاء الثروة العائلية على صعيد العالم كله، لكن بيانات التقرير الذي صدر بالنتيجة عن المعهد العالمي لأبحاث التنمية والاقتصاد التابع للجامعة لم تشمل إلا فترة ما قبل عام 2000. وحتى قبل بضعة أسابيع، لم تكن يتوفر الكثير من الأرقام للإجابة على السؤال: من يملك ثروات عالم اليوم؟

أما الآن، فقد أصدر معهد أبحاث بنك «كريديت سويس» في زيوريخ، «تقرير الثروة العالمية» الأول عن توزع الثروة حتى عام 2010، متضمناً إحصائيات تفصيلية، تتعلق بمائتي دولة. وأسهم بإعداده باحثان كانا قد شاركا في تقرير عام 2006، هما أنتوني شوروكس وجيم ديفيس.

 

 

ترجمة وإعداد: أ. جانتي

بيانات التفاوت

لا شك في أن المعتادين على رؤية الجانب المشرق من الظواهر سيحاولون إضفاء الصبغة الإيجابية على نتائج التقرير، لأن أرقام البنك السويسري تظهر أن صافي إجمالي الثروة العالمية ازداد بنسبة 72% عما كان عليه في عام 2000، رغم أزمة عام 2008 الاقتصادية. فيما يذكر التقرير أن 4.4 مليار إنسان بالغ، يحوزون على 194.5 تريليون دولار من الثروة. وهو مبلغ كاف لو كانت الثروة تتوزع بالتساوي بين الناس، على الصعيد العالمي، ليضمن كل فرد بالغ حيازته على مبلغ 43.800 دولار. لكن، أتوجد مساواة في توزيع الثروة العالمية؟

وفقاً للتقرير، تضم أعلى شريحة من الأثرياء ألف ملياردير، وثمانين ألف فرد من كبار الأثرياء، بثروة تزيد عن خمسين مليون لكل فرد. ويضاف إلى هذه الشريحة 24 مليون بالغ يملكون ثروة تزيد عن المليون وتقل عن 50 مليون دولار. وفي الطرف الآخر من قوس قزح توزيع الثروة، ما زال 3 مليار إنسان، أي «أكثر من ثلثي عدد البالغين في العالم» يملك الفرد منهم أقل من عشرة آلاف دولار. بينهم 1.1 مليار بالغ لا تزيد حصتهم من الثروة عن الألف دولار فقط.

ويعترف التقرير صراحة «بوجود تفاوتات شديدة الوضوح في توزيع الثروة»، ولعل أشد لقطات التقرير حدة هي أن 50% ممن تجاوزوا سن العشرين من العمر، حصة الفرد منهم دون الأربعة آلاف دولار، بعد طرح قيمة المديونية المترتبة عليه. أي أن هذا النصف من سكان الأرض يحوز على أقل من 2% من ثروات العالم. في حين يستحوذ أغنى 1% من البالغين على نسبة 43% من هذه الثروات.

وراء الأرقام

بصعوبة بالغة، يقر تقرير بنك كريديت سويس الحديث بأن أهمية الثروة الفردية، واقعياً، تزداد في بعض بقاع العالم عن غيرها تبعاً لعوامل متعددة. فإذا كان المرء يعيش في مجتمع أو دولة فيها شبكة حماية اجتماعية بالية وضعيفة، تكتسب حصته من الثروة أهمية كبرى، نظراً إلى اعتماده الكلي، أو شبه الكلي، عليها. وبدون هذه الشبكة يصبح المرء معرّضاً «لصدمات مثل البطالة، أو تردي الحالة الصحية، أو الموت جراء كوارث الطبيعة». وبالمقابل، إذا كان المرء يعيش في مجتمع ذي شبكة أمان اجتماعي متينة ونشطة، كدولة تتفاخر «بنظام اجتماعي جيد للرعاية الصحية، وتعليم عالي النوعية، وتعويضات حكومية مجزية»، تقل أهمية حصة الفرد ويقل مدى اعتماده عليها.

وحسبما يورده التقرير، يحتاج الناس العاديون الذين يعيشون في الولايات المتحدة (حيث شبكة الأمان الاجتماعي مهلهلة) إلى مقدار أكبر من الثروة، أكثر من حاجة أناس آخرين يعيشون ضمن مجتمعات تتمتع بشبكات خدمات اجتماعية أفضل وآمن. لكننا، فعلياً، نجد أن الناس العاديين في البلدان ذات شبكات الأمان الأفضل من شبكات الولايات المتحدة، يحوزون على حصة من الثروة أكبر من حصة نظرائهم الأمريكيين! مثل كندا، ذات نظام الرعاية الصحية العام، التي وصل فيها متوسط حصة العائلة (العائلة النموذجية الكندية) من الثروة، إلى مبلغ 94.700 دولار، في عام 2010، أي ما يقارب ضعف متوسط حصة العائلة الأمريكية التي تبلغ 47.771 دولار.

التغيير وما يقطرون

لا توجد دولة في العالم تضاهي الولايات المتحدة من ناحية استحواذها على أعلى ثروة إجمالية. فبينما تمثل 5.2 % من سكان العالم، تستحوذ على 23% من ثروات العالم، بحصة فردية لا تقل عن 100 ألف دولار، وتضم بين سكانها 41% من أصحاب الملايين في العالم.

وكذلك تتصدر الولايات المتحدة العالم من حيث مقدار الدين المترتب على عائلاتها ومواطنيها. الأمر الذي يعتبره محللو بنك كريديت سويس مؤشراً على تحول اتجاه الاقتصاد العالمي. فالمستهلكون من أبناء الطبقة الوسطى في الصين، وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو، سوف «يتجاوزون، قريباً، العائلات الأمريكية المديونة، ليحلوا محلها، بقدر ما تتحرك قاطرة نمو الاقتصاد العالمي»، حسبما توقعه مدير الفريق المكلف بإعداد التقرير، جايلز كيتينغ.

القاطرة التي يبشر بها تقرير كريديت سويس سوف تجرّ العالم بالاتجاه الصحيح! إذ يخلص إلى أنه «بمرور الزمن، نتوقع ونأمل أن يصبح توزيع الثروة العالمية أكثر توازناً». إنما، لسوء الحظ، أرقام وبيانات البنك السويسري لا تقدم ما يدعم هذه الآمال المغرقة في تفاؤلها. فحتى في عز انهيار المؤسسات المالية، يقر البنك بأن «العقد الماضي من الزمن كان مساعداً جداً على تعزيز الثروات الكبيرة وحمايتها». وإذا كان عمالقة البنوك مرتاحين للتعايش مع هكذا واقع قائم، فبقية سكان الأرض بحاجة إلى تغييره كلياً.

 

• باحث مساعد في معهد دراسات التخطيط السياسي