المشروع الصهيوني – نسخة مأزومة..!
تأتي التطبيقات العملية المتسارعة من جانب الكيان الإسرائيلي لقانون «يهودية الدولة» دليلاً ذا اتجاهين، يؤكد أولهما ضعف وتخاذل مواقف النظام الرسمي العربي، وثانيهما بالمثل- وخلافاً للظاهر- دليلاً على حالة الاستعصاء الصهيوني في المنطقة، ولاسيما بخصوص التعامل مع «الخصوم» وملفاتهم من وجهة نظر المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة (النووي الإيراني– المواقف السورية إقليمياً– سلاح حزب الله والمقاومة)، وهي التطبيقات والاستعصاءات ذاتها التي تستهدف إنجاز المشروع الصهيوني، أقله في فلسطين المحتلة بالاستفادة من اختزال القضية عقارياً..!
الكيان الإسرائيلي الملزم بشن مغامرات عسكرية جديدة في المنطقة وضد دولها وشعوبها وقواها المقاومة، عالق بقدميه بعد تجاربه في لبنان وغزة، فلا هو قادر على المضي إليها بأقل الخسائر المتوقعة، ولا يستطيع تحمل نتائج عجزه هذا لجهة ازدياد التهديدات «الوجودية» من حوله في ظل استمرار إجرامه.
البديل التكتيكي الاستراتيجي بالنسبة إليه هو استغلال كل المعطيات الإقليمية والدولية على المسرح الفلسطيني وعلى حساب أصحاب الأرض دائماً.. هكذا، وإلى جانب عمليات القصف والتوغل والاعتقال اليومية في الضفة والقطاع، ترتفع وتيرة هدم القرى والبلدات والأحياء السكنية الفلسطينية بالكامل وعن بكرة أبيها، مع طرد سكانها العرب، وطرح الاستفتاء في «الكنيست» قبل أي انسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها الجولان السوري، مع «ارتكاب» مسرحية الانسحاب التضليلي التشويشي من شمال قرية الغجر اللبنانية المحتلة.
النقطة الأساس في نقل مقولة «يهودية الدولة» إلى حيز التنفيذ هي إلغاء «حق العودة»، مع إلغاء لا يقل خطورة لـ«حق تقرير المصير» أي حق إقامة الدولة الفلسطينية، بحيث تعود الأوضاع عملياً إلى ما قبل منتصف التسعينيات، تاريخ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ومن ثم الضفة، حين كانت هناك قبل ذلك إدارة مدنية تتبع الحاكم العسكري الإسرائيلي، ولكن السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، تحولت بعدها إلى الاثنين معاً، في وجه المقاومة الفلسطينية. ويعد هذان الإلغاءان استحقاقين خطيرين ربما باتا يستدعيان أولاً التخلص من كل المراهنين على جدوى التفاوض مع المعتدي، الموغل في عدوانه.
وهكذا فإن معالم أزمة المشروع، بالمعنى العسكري، لا تعني انتهاءه بكل أشكاله، بما فيها العسكري، ولا تعني أنه لا يواصل نسج خيوطه في المنطقة من الماء إلى ما بعد الماء.
وسط هذه المعطيات وبالتوازي مع الخطة الإسرائيلية لإرباك حزب الله عبر الانسحاب من الجزء الشمالي من «الغجر»، يبرز استعجال «المستقبل» أي الواجهة السياسية لبقايا قوى 14 آذار، لصدور القرار الظني من المحكمة الدولية «اتهاماً واستفزازاً للمقاومة» من أجل منح هؤلاء لأنفسهم زخماً في المنطقة، وخاصة في ظل المخاوف من تفاعلات الحالة الصحية للعاهل السعودي، رغم أن التوقعات تشير إلى أن أي ترداد محتمل لمقولة «مات الملك، عاش الملك» في السعودية، سيفضي إلى بروز وجوه أكثر أمريكية، وسط مساعي إعادة الاعتبار والوزن لبندر بن سلطان في مقابل ضعف ولي العهد، أي نسف أو أقله إعادة قولبة أية تفاهمات سورية- سعودية بخصوص تهدئة الأوضاع في لبنان.
وإذا كانت «إسرائيل» تريد نسف الوجود الفلسطيني، شعباً وأرضاً، وإذا كان الوضع اللبناني هشاً، ولا يضاهيه في ذلك إلا العراق المحتل، والسودان المقترب من عتبات التقسيم، واليمن المشلول في نظامه العشائري، فإن التحديات القائمة على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية هي أكبر بكثير عملياً من الاكتفاء بترديد مقولات «تعثر المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة».!