«على كفيّ عفريت»..!
هل يشكل تأجيل موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء اللبناني المخصصة لبحث ملف الزور أسبوعاً واحداً مخرجاً كافياً لسحب فتيل الانفجار المتوقع في لبنان؟ وماذا يعني بدء انفراط عقد «طاولة الحوار اللبناني» في أعقاب إعلان رئيس كتلة التغيير والإصلاح في البرلمان اللبناني ميشيل عون مقاطعته لها إذا لم تنعقد جلسة الوزراء، وهي لم تنعقد؟ وهل تشكل هذه المقاطعة رديفاً للمقاطعة التي طالب بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للمحكمة الدولية ومحققيها من جانب الحزب وحلفائه؟ وهل سيصدر القرار الظني المتهم لحزب الله باغتيال الحريري الأب في غضون أيام أو أسابيع حقاً، حسب التسريبات الجديدة؟ وكيف ستكون تداعيات ذلك؟ بل وضمن المعطيات وتضارب المواقف الصادرة من لبنان ومن محيطه العربي والإقليمي والدولي حول قضاياه المستعصية، إلى أي حد سيصمد «تماسك» حكومة «وحدته الوطنية»؟
جملة هذه الأسئلة تضع لبنان وكل المعنيين بشؤونه، كلا ضمن معسكره، أمام مفترق طرق حددته عملياً قوى المعارضة اللبنانية: إما تفكيك المحكمة والانقلاب على كل مفرزات السنوات الخمس التي أعقبت اغتيال الحريري، أو القذف بلبنان إلى المجهول، بما فيه الاقتتال الأهلي، بغض النظر عن حجمه ومداه.
الحريري الابن، «رئيس حكومة جميع اللبنانيين»، المتعثر بلسانه وقدميه، تلقى اتصالاً من أوباما وتأكيدات من ساركوزي، تقول له «تماسك نحن خلفك!» وخلف المحكمة، وهو ذاته تهرب من استحقاق الجلسة المذكورة بحجة جدول أعمال زيارته إلى لندن التي طلب خلالها من حكومة ديفيد كاميرون تقديم المساعدة في «دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، والمحكمة الدولية، مغلفاً هذا الجوهر «التخاذلي» بحديث عن ضرورة لجم التهديدات الإسرائيلية ودعم المبادرة العربية، بيروتية الإعلان، وحتى دعم محادثات مدريد..!
حزب الله في المقابل، وعبر نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، عاود التأكيد على أن مواقف الفرقاء اللبنانيين، شركاء «حكومة الوحدة»، ينبغي أن تصدر قبل القرار الظني لا بعده، تاركاً الاحتمالات مفتوحة لردود الفعل من الحزب وغيره، في حال صدور القرار الفتنة. وبالتوازي أطلق الحزب حربه النفسية: كل لبنان تحت سطوة انتشاره الأمني «في لحظة الصفر»، وسط توقعات بأن حزب الله في تلك اللحظة سيتجه نحو الحسم الخارجي عبر مواجهة مع الكيان الإسرائيلي، بوصفه العدو الأساسي، لأن البديل هو الوقوع في الفخ المنصوب أمريكياً-إسرائيلياً، مع من لف لفهما من عرب الاعتلال والتآمر، وهي ذات المواجهة التي يتشدق بخصوصها قادة الاحتلال من عسكريين وأمنيين من أنها ستكون شاملة ومتعددة الجبهات: لبنانياً- سورياً- إيرانياً.
وسط هذه الأجواء، وبخصوص الاستعصاء اللبناني، ورغم خطورته، يأتي الحديث عن «استمرار» المشاورات السورية- السعودية و«ضرورة» إنضاجها..! أي غياب التوافق بين طهران ودمشق، بما يؤكد استنتاجاتنا مؤخراً بخصوص جوهر «التحول السعودي»، وهي الحالة التي تنسحب على المواقف السعودية من بيروت إلى بغداد، ولاسيما في ظل التحليلات التي ربطت بين فشل «المبادرة» السعودية لاستنساخ «طائف عراقي» على مقاس مصالحها المرتبطة مع واشنطن استبعاداً لطهران، وعودة التفجيرات «البندرية» الدامية (نسبة إلى بندر من سلطان) إلى أرض الرافدين، ناهيك عن تلك الدعوة الألمانية المريبة لقيام حكم ذاتي لمسيحيي العراق، باستغلال تأجيجي ألماني لجريمة كنسية سيدة النجاة.
وهكذا يتضح أن المنطقة «على كفي عفريت» أمريكي- غربي مخنوق بأزمته. كفان «تلعبان» في العراق ولبنان، فيما تتمايل «أقدامه» في اليمن والصومال وحتى السودان الموشك على التقسيم والاقتتال الأهلي، ولاسيما في ظل دعوات من رئيس حكومة بريطانيا موجهة للدول العربية لاجتثاث «آفة الإرهاب» ليس من اليمن والصومال، بالاسم، بل توسعاً في طرح مسرح عمليات جديد أسماه كاميرون صراحة: «شبه الجزيرة العربية»..(!) تحت ذريعة خطر تنظيم القاعدة، وما بات يعرف بـ«الطرود المفخخة» التي تسرح وتمرح في مدن أوربا وأمريكا..!
وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، التي أكدت بعض التحليلات أنها مفبركة، وبغض النظر إن كانت أسهمت في خسارة الديمقراطيين للأغلبية في مجلس الشيوخ أم في استعادة الجمهوريين لهذه الأغلبية، فلا ثمة فرق جوهري بالنسبة لشعوب المنطقة، لأنها كانت ولا تزال وستبقى تعاني من «القوة الغبية» للجمهوريين ومن مثيلتها «الذكية» التي ابتدعها الديمقراطيون. «القوة قوة، والبطش بطش»، ومخططات القتل الأمريكية بالرصاص أم بالسم واحدة، مهما كان مصدرها ويافطتها، جمهورية أم ديمقراطية.
الواضح بخصوص المنطقة، ودائماً في ظل الأزمة الرأسمالية المستعصية، هو استعادة المعسكر المعادي، بمراكزه ونقاطه المتقدمة، من واشنطن وحتى تل أبيب، مروراً بباريس ولندن وبرلين، لمستوى مرتفع نسبياً من التنسيق وتبادل الأدوار، أي درجة أعلى من إحكام التنسيق، ليعود السؤال مجدداً عن درجة التنسيق لدى المعسكر المضاد، وحجم استعداداته للحظة الصفر، في مواجهة العفريت..!؟