سيطول عمر الذهب أكثر من الدولار حالما تحدث المذبحة
النظام النقدي العالمي في طريقه للانهيار. دخل الدولار خاتمة مطافه بوصفه العملة الاحتياطية المهيمنة، لكنّ معظم المستثمرين وصنّاع السياسة غافلون عن العواقب.
السؤال الوحيد المطروح: إلى أيّ مدىً ستطول المرحلة الأخيرة من نظام اعتماد الدولار كعملة احتياطية، وما هو حجم الأضرار الإضافية التي ستوقعها الجولات الجديدة من تقليص كتلة النقد المتداولة أو الإجراءات النقدية الجذرية التي تدعم النظام.
آجلاً أو عاجلاً، سوف يصبح الانتقال إلى نظامٍ نقديٍّ مستقرٍّ ممكناً حالما تصبح عيوب الوضع القائم غير محتملة. مثل هذا الانتقال غير خطّي بالتعريف. هكذا، لا تقدّم تنبّؤات البنك المركزي، القائمة على ثبات البيانات التاريخية وتكرار الحكمة التقليدية، أيّة دلالة لما سوف يأتي.
المذهل في الأمر عدم وجود خطابٍ عقلاني وسط الزعماء السياسيين يتعلّق بالخراب النقدي وعقابيله بالنسبة للمشهد الاقتصادي والسياسي في المستقبل. وإلى أن يحدث إصلاحٌ نقديٌّ جوهريٌّ على المستوى الدولي، لن تساوي غالبية التنبؤات الاقتصادية قيمة الأوراق التي كتبت عليها. العلامات المنذرة بما سيتضمنّه المستقبل من بلاءٍ ليست خافية. منذ بضعة أشهرٍ فحسب، تحدّث رئيس الاحتياطي الفيدرالي بين برنانكة وجوقة موظفي المصرف من ذوي الرتب العالية حول استراتيجيات التخلّص من تضخّم ميزانية البنك المركزي في الولايات المتحدة. والسيولة الفائضة غير المسبوقة في النظام المالي. أمّا الآن، فيتحدّث الموظفون أنفسهم حول ضخّ المزيد من الأموال في النظام لتحفيز النموّ.
الأهداف الخطرة
وهم ليسوا وحيدين في ذلك. فمنذ ستّة أشهر، افترض أوليفر بلانشار، كبير اقتصاديّي صندوق النقد الدولي، أنّ زيادة رفع أهداف التضخّم من 2 بالمائة إلى 4 بالمائة سيكون فيها الكثير من المجازفة.
ينبغي لهذا الضرب من الكلام أن يستثير أعصاب شركائنا التجاريين، الصين والهند وروسيا وغيرهم، الذين راكموا أهراماتٍ من دين الخزينة غير المثمر. ما من حمايةٍ هنا، المشاحنات بين حكّام البنوك المركزية حول التلاعب بالعملة وتصعيد التوترات التجارية لا تعزّز الثقة تماماً في سيناريو النمو الاقتصادي المستدام والعودة إلى الرخاء. ففرص حلحلة الموقف المتشدد في السياسة النقدية العالمية معدومة. ينحشر جان كلود تريشيه ومارفن كينغ، نظيرا بيرنانكة في أوربا والمملكة المتحدة على التوالي، فوق أكثر المقاعد تقلقلاً في تاريخ الشؤون النقدية. في محاولات حرّاس الاستقرار النقدي المزعومين هؤلاء تدعيم النظام، لم يفعلوا سوى تشييد محرقةٍ للعملة الورقية. مضينا نحو نقطة اللاعودة. ربّما سيصبح تقليص كتلة النقد المتداولة طريقة عيش.
ليس هنالك حدثٌ استثنائي
يبدو أنّ رؤية الاستثمار المجمع عليها ستكون حدثاً استثنائياً كما كانت أزمة الائتمان في العام 2008 حدثاً استثنائياً من المستبعد أن يتكرّر. ليس ذلك سوى أضغاث أحلام. لقد قامت السياسة النقدية بتوريط نفسها. وفق مسارنا الراهن، سوف يتشكّل مزيدٌ من الفقاعات ومزيدٌ من الانهيارات.
تشعر الأسواق والمؤسسات النقدية بالبلاء، وينعكس ذلك في اللجوء إلى الأصول التي يفترض أنّها آمنة مثل سندات دين الشركات والخزينة زهيدة الفائدة، إضافةً إلى التمنّع عن إقراض المصارف التجارية. نحن عالقون في فخّ سيولةٍ هائل. تكمن السخرية في أنّ نجاح البنوك المركزية في خلق التضخّم سيؤدّي إلى تدمير قيمة تلك الأصول الآمنة. تلكم هي المذبحة التي تلوح في الأفق.
في العقلية المتحذلقة لحكّام البنوك المركزية، يعيّن لهم كتيّب التعليمات الخاصّ بهم مقداراً مناسباً للتضخّم. هكذا، وحالما يتسارع التضخّم، سوف ينفق المستهلكون ليتخلّصوا من دولاراتهم متضائلة القيمة ويحفّزون الاقتصاد! حالما يبدأ المستهلكون في الإنفاق، سيكون وقت رفع معدّلات الفائدة قد حان، لأنّ قاعدة الازدهار الصلبة ستكون قد شيّدت، كما يزعمون.
خيطٌ رفيع
لكن، وأيّاً كانت وعود كتيّب التعليمات، لا يمكن المغالاة في قدرة الأسواق المحلّية على تخطّي استطاعتها. الاعتقاد السائد بين صانعي السياسة والأسواق المالية بإمكانية تحقّق هذا النوع من التعديلات المحدودة الهادفة لإحراز أداءٍ أكمل مجرّد وهم، لكنّه الخيط الرفيع الذي يسمح بعدم زعزعة الثقة بالاستثمار والأعمال التجارية.
سيحاط انهيار النظام النقدي بفوضى شاملة. سوف تعمّ الفوضى حالما يبدأ التضخّم. سرعان ما ستتضرّر أصول ذوي الدخل المحدود. وستصبح أسواق تبادل العملات مشلولة. كما سيصبح الاقتصاد أكثر هشاشةً ولا يمكن التنبّؤ به.
سيكون الذهب، رغم عدم كماله، مقياساً أكثر وثوقيةً لمدى الدمار النقدي الراهن والمستقبلي. فالارتفاع الأخير لسعر هذا المعدن بالدولار والذي بلغ 1381 دولاراً للأونصة، وهو ارتفاعٌ قياسيٌ، رافق الحديث عن جولةٍ جديدةٍ من تقليص كتلة النقد المتداولة والنزاعات العلنية بين الدول حول قضايا التجارة وأسعار العملات.
فقاعة الرافضين
يشير الرافضون إلى سعر الذهب ويشاهدون فقاعة، من غير أن يفهموا أنّ التسارع الوحيد يحدث في معدّل تدهور العملة الورقية. ينظّم الاحتياطي الفيدرالي هجوماً على قيمة الدولار، مقتنعاً بأنّ هذا الهجوم خير وسيلةٍ للحدّ من قوى السوق الانكماشية. حيثما يكون الناس ساهين، فالوضع مثاليٌّ للتحرّك. إذ يمكن أن ينجح التضخّم فعلاً حين لا يرى الناس تقدّمه.
السيل الجارف من التعليقات حول الذهب ليس نذير فقاعة. يقدّم الناقدون المناهضون للذهب خدمةً كبرى لأولئك الممسكين باللحظة التاريخية، فهم يسهّلون الوضع المواتي لأحد الأصول، سيبقى صامداً حين ينهار كلّ شيء.
مديرٌ إداري في إدارة موجودات توكفيل في نيويور